الجزيرة العربية ومناخ لا يُشبه الأمس

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تحت سماء الجزيرة العربية، حيث كانت الرمال تحتفظ بأسرار العصور، والشمس تنقش فصول الصمود، بدأت الأرض تنطق بحكاية جديدة. وخلال عامين من التحولات المناخية المتسارعة، حملت الرياح أخبار أمطار نادرة وحرارة غير مسبوقة، وكأن الطبيعة تعيد صياغة قواعدها، إذ لم تعد هذه التغيرات مجرد تقلبات عابرة، بل هي إشارات واضحة تدعو إلى فهم عميق واستعداد جاد لمواجهة مناخ يتحدث بلغة مغايرة.

في صيف 2024، لم تكتفِ الشمس بحرّها المعتاد، بل أرسلت موجات حرارة قاسية، كجزء من نمط يتغذى على الاحتباس الحراري وتغير أنماط المناخ. وفي الوقت ذاته، شهدت مناطق غير متوقعة، مثل جنوب مصر وليبيا، أمطاراً صيفية نادرة، حيث هطلت السحب بغزارة، كأنها ترسم أنهاراً في أرض ظلت عطشى لعقود. لكن التناقض كان صارخاً، إذ توقفت الأمطار عن سلطنة عُمان والإمارات لما يقارب عاماً كاملاً من الآن، تاركة المنطقة في مواجهة جفافٍ طويل، بينما اجتاحت موجات غبارية العراق والكويت، تحجب الآفاق وتذكّر الجميع بقوة الطبيعة.

وبينما شكك البعض في إمكانية نشوء الأعاصير في المنطقة، جاءت الظواهر الاستوائية النادرة لتثبت أن حدود المناخ القديم لم تعد سارية.

ووسط هذه التحولات، تسربت الخرافات إلى الأذهان كما يتسلل الغبار إلى الزوايا، في محاولة لتفسير ما يحدث، فكان الرد العلمي ضرورة ملحة؛ بالدعوة لتحرير العقل من المعتقدات السطحية وبناء وعي يقوم على المعرفة، لفهم هذه الظواهر بعيداً عن الشائعات.

وفي خضم هذا الواقع، يبرز الحلم القديم المتجدد بأمطار خير تعيد الحياة إلى الأرض الظمأى، وخضرة تزحف إلى قلب الصحراء وبأجواء مستقرة غير مضطربة ولا متطرفة. لكن هذا الحلم يظل هشاً دون ترجمة إلى أفعال، حيث إن مواجهة المناخ المتغير تتطلب بنية تحتية مرنة، وسياسات ذكية فاعلة ترى في التغيير فرصة لإعادة تشكيل المستقبل، لا تهديداً يُخشى منه.

ومن هنا تنبع الدعوة الحاسمة: بوجوب عدم التهاون بالحلول المبتكرة، مهما بدت طموحة أو غير مألوفة؛ كأنظمة الرصد المتقدمة، أو التقنيات المناخية الرائدة، وحتى تلك الأفكار الجريئة من الهواة والمتميزين، إذ إن تعاضد ذلك كله يشكل أهم أدوات البقاء في هذا العالم المتغير.

ثمة حاجة ملحّة إلى بناء بيئات حاضنة تدعم المبدعين، من علماء الأرصاد والباحثين أو المهندسين المناخيين وحتى المبتكرين الشباب، ليطوّروا حلولًا واقعية تواكب التحديات وتتناغم مع طبيعة المرحلة.

يجب الوصول إلى قناعة تامة بأن تمكين جميع من سبق ليس مجرد دعم عابر، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل مستدام.

اليوم، تقف الجزيرة العربية على مفترق مناخي حاسم، حيث يمتزج الغمام بالأمل، والخوف والحذر بندرة المطر، والحرارة المتصاعدة بالغبار المتلاطم.

إن ما نشهده اليوم ليس أحداثًا عابرة، بل مؤشرات لتحوّلات أعمق تتطلب وعيًا ومسؤولية. فالمستقبل لم يُحسم بعد، والخيار أمامنا وبأيدينا: فإما أن نبادر ونوجّه المسار، أو أن نكتفي بالمراقبة بينما يتشكل الغد دون أن نتدخل فيه.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق