لا تزال هناك في الذاكرة.. أسطر عالقة من كتب، كلمات عبرت الورق واستقرت في القلب. لا تُمحى ولا تخفى. نستخرجها من ذاكرتنا في بعض الأوقات بالطريقة التي نستخرج بها منديلاً ورقياً مخبأ في جيب القميص، نستخرجه لنستخدمه وقت الحاجة. هذا ما نفعله مع الكلمات. نحتفظ بها كترياق لوقت الأزمات حتى تذكرنا بأننا أحياء.
الكتب تحرك الساكن بداخلنا، تعيد تشكيل ذواتنا وأفكارنا، وتبعث فينا حياة جديدة. وتنقل لنا حياة أخرى نحلم بها ونبحث عنها. لقد كنتُ دائماً أؤمن بأن الكتب ليست مجرد كلمات أو أفكار، بل هي معبر لأرواحنا، طريق جانبي يأخذنا إلى أماكن لم نكن نعلم بوجودها فينا.
ولا تزال تلك الأسطر التي قرأتها في وقت الحزن أو لحظات الضعف والهزيمة حاضرة أمامي، تشد على يدي وتقوي عزيمتي، كما لو كانت عبارات جديدة تخرج من بين الحروف لتجعلني على قيد الأمل أو الفرح. وعندما يتلامس قلبك مع كلمة، تصبح تلك الكلمة جزءاً منك إلى الأبد، وكأنها خُلقت من أجل مواساتك أنت.
من الكتب، نحن نتعلم كيف نرى العالم بعين أخرى ومع الوقت وبدون شعور نبدأ في التغير التدريجي. الكتب تقدم لنا أفقاً غير محدود من الرؤى، من خلال الشخصيات والأحداث والتفاصيل، وتجعلنا نعيش في أماكن وأزمنة لا نعرفها، ولكننا نحبها. الكتاب هو النافذة التي تفتح لنا على عوالم واسعة، ولكن الأكثر سحراً هو أن تلك العوالم تندمج مع عالمنا، وتصبح جزءاً من تجاربنا الحياتية. ماذا كان يمكن أن يكون لو كنا بدون الكتب؟ كانت حياتنا ستكون ناقصة جداً.
إن الكتب تعلمنا أن نحب الأسئلة، ولا شيء يمكن أن يكون أكثر سحراً من أن تفتح كتاباً وتشعر أنه يتحدث إليك. ومن خلال الكتب، نكتشف القوة التي بداخلنا. وفي كل قصة نقرأها، هناك جزء منا يتجسد في تلك الشخصيات، وأحيانًا نجد أنفسنا في محطات دقيقة من حياة الأبطال. قد نبتسم مع انتصارهم، أو نحزن مع هزيمتهم، لكن الأهم أننا نتعلم منهم شيئاً عن أنفسنا. ربما هو ذلك الأمل الذي نحاول أن نتمسك به، أو الشجاعة التي نحتاج إلى إيجادها. الكتب تحمل في طياتها تلك الرسالة الصامتة التي تقول لنا: "أنت لست وحدك".
وفي النهاية، الكتب تصنعنا لأنها تجعلنا أكثر إنسانية. تُغني تجاربنا، تُمكّننا من العيش بعمق أكبر، وتمنحنا أدوات لفهم حياتنا وحياة الآخرين. نحن لا شيء بدون تلك الكتب التي قدمت لنا فرصة لمغادرة عالمنا الضيق والسفر إلى عوالم لا تنتهي.
0 تعليق