دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- الكثير من الأطفال يعانون من مشاكل نفسية، الأمر الذي يُثير قلق الأهل. فبحسب ماريا إيفانز: "نتلقى كمًّا هائلًا من المعلومات (السلبية والإيجابية من محيطنا والعالم) وكلّها معًا،تُسبب الكثير من القلق الذي أصبح جزءًا من ثقافتنا".
شاركت إيفانز آشلين غريبر في تأليف كتاب "تربية أطفال هادئين في عالم مليء بالقلق: أدوات لتخفيف القلق والإرهاق" (Raising Calm Kids in a World of Worry: Tools to Ease Anxiety and Overwhelm). وإيفانز وغريبر معالجتان مرخّصتان متخصّصتان في الزواج والعلاقات الأسرية، ومدرّبتان في قطاع التربية.
تحدثت CNN معهما حول كيفية مساعدة أطفالنا على التكيّف مع عالم يبدو أنه يزداد فوضوية يومًا بعد آخر.
CNN: ابتكرتما استراتيجية SAFER للتربية بهدف مساعدة الأهل وأطفالهم على التعامل مع القلق. ما قِوامها؟
ماريا إيفانز: SAFER إطار عمل يستخدمه الأهل لتقليل القلق لدى أطفالهم مع مرور الوقت، ويستند إلى أدوات علاجية هي:
ضبط الإيقاع (Set the tone). السماح للمشاعر بتوجيه السلوكيات (Allow feelings to guide behaviors). تشكيل الهوية (Form identity). التفاعل كالمحترف (Engage like a pro). لعب دور القدوة (Role model).آشلين غريبر: SAFER يضع الأسس المختلفة التي نعرف أنها تساعد في كل جوانب حياة الطفل، والأهل، والعائلة ككل. كل حرف من SAFER يمثّل جزءًا ممّا نحاول أن نساعد الأهل على تطبيقه في المنزل، وإعداد البيئة النفسية الآمنة داخله.
CNN: كيف يمكن للأهل التعرّف على قلق أطفالهم؟
إيفانز: بعض الأعراض الجسدية الأكثر شيوعًا تشمل:
آلام المعدة، صعوبة في التنفس، الاهتزاز قليلاً. تدوير الشعر، الطرق على شيء ما، عض الأظافر. حك الوجه كثيرًا، ثم الانتقال إلى شيء آخر بعد بضعة أسابيع.غريبر: ثم هناك تراجع في أداء أمر كان متمكنًا منه، كما قد يُظهر قلقًا مفاجئًا بأمر لا يبدو مرتبطًا بأي شيء منطقي.
العلامتان السلوكيّتان الكبيرتان الأخريان اللتان نراهما دومًا هما: قلق الانفصال، أو الخوف من الابتعاد عن أحد الوالدين، ثم التجنّب. قد يكون هناك أيضًا قلق اجتماعي يترافق مع مجموعة واسعة من المخاوف المختلفة.
CNN: كيف يمكن للأهل إنشاء بيئة هادئة عندما لا يشعرون بالهدوء؟
إيفانز: نتحدّث عن إيجاد لحظات صغيرة من الهدوء قدر الإمكان. فإذا كنت تشعر بالتوتر الداخلي بشكل عام، حاول العثور على لحظة تجلس فيها وتلتقط أنفاسك؟ يمكن أن يكون وقتًا قصيرًا بما يكفي لتهدأ وتقترب من طفلك، وتقضي معه لحظة قصيرة مدّتها خمس دقائق، ويمكنه ملاحظة أنّ جهازك العصبي مستقرّ وجاهز لأن تكون معه.
نحن نعلّم الكثير من الأدوات في الكتاب حول كيفية الوصول إلى تلك اللحظة (من الهدوء) رغم ما يدور حولنا، وكل مسؤوليات الأهل. عندما تحاول ضبط الإيقاع، يتعلّق الأمر بلحظة، وأيضًا بالصورة الأكبر (إنشاء عادة التواصل).
غريبر: إذا تمرّنا على هذه اللحظات الصغيرة في أوقات التوتر سيتّصل جهازنا العصبي وجسمنا وعقلنا بتلك اللحظات بمرور الوقت، وسنبدأ الشعور بالهدوء بوتيرة أكبر.
CNN: كيف يمكن للأهل تجنّب نقل قلقهم إلى أطفالهم؟
إيفانز: نتحدّث عن "الإطار الآمن" مقابل "الإطار المخيف". هذا مصطلح ابتكرناه لمساعدة الأهل على فهم أن الطريقة التي يتحدّثون بها عن كيفية رؤيتهم للعالم، تؤثّر بشكل كبير على الطريقة التي يرى بها الأطفال العالم.
نوجّه الأهل إلى مراجعة الأماكن في حياتهم التي يشعرون فيها بأكبر قدر من القلق أو الغضب أو الإحباط، ثم نعلّمهم كيفية التخفيف من ردود فعلهم عليها أمام أطفالهم. هذه الخطوة تُحدث فرقًا كبيرًا لأنها تُحفِّز الأطفال على رؤية عالم أكثر أمانًا من ذلك الذي يخبرهم فيه الوالدان بضرورة الحذر من كل خطر.
CNN: ما هو التنظيم المشترك، وكيف يمكن للوالدين استخدامه؟
غريبر: التنظيم المشترك هو الإفادة من حالة الهدوء لدى شخص آخر. فعندما يشعر الطفل بالقلق أو التوتر، يمكنه أن يستمد من حالة الهدوء التي يظهرها الآخرون لمساعدته على تنظيم حالته الانفعالية. نحن نمارس هذا في جلسات العلاج النفسي أو التدريب حيث نساعد الطفل من خلال تقديم إشارات غير لفظية، كأن نُظهر نمط تنفس هادئ من دون الحاجة إلى قول أي شيء مباشر له.
التنظيم المشترك يتيح للشخص القَلِق أن "يلتقط" هذا الهدوء، ويبدأ بتهدئة نفسه تدريجياً. وهذه العملية مهمة للغاية بالنسبة للوالدين، إذ يمكنهما أن يكونا مصدر تنظيم انفعالي لأطفالهما عبر ضبط سلوكياتهما، ونبرة صوتهما، ولغة جسدهما، ما يساعد الطفل على استعادة توازنه العاطفي خلال لحظات القلق أو الاضطراب.
CNN: كيف يمكن للوالدين ممارسة التعاطف مع الذات وتعليمه لأطفالهم؟
إيفانز: يقسو معظم الأهل جدًا على أنفسهم، وقد ازداد ذلك بمرور الوقت نتيجة الكم الهائل من النصائح التربوية التي تُغرقهم.
نحن نشجّع الأهل على ملاحظة الصوت الداخلي لديهم. اسأل نفسك: كم مرة أُوجه لنفسي رسائل سلبية؟ هذا الأمر مهم لأن تلك الأفكار الداخلية تتحوّل في كثير من الأحيان إلى أقوال مسموعة أمام الأطفال.
حاول أن تعيد صياغة الحديث الداخلي، وقل أمرًا إيجابيًا أو لا تقل شيئًا على الإطلاق. يظهر هذا كثيرًا في موضوع صورة الجسد، حيث يكون الوالدان قاسيين على أنفسهم فيما يتعلق بأجسامهم. لذلك فإن الانتباه للطريقة التي تتحدث بها عن نفسك أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لنموك الشخصي، بل أيضًا كنموذج يُحتذى به من قِبل أطفالك.
غريبر: ما هي العبارات التي ربما سمعناها في طفولتنا واستقرت في أذهاننا؟ في اللحظات التي تلاحظ فيها وجود صوت داخلي سلبي، من المهم أن تعي حضوره. ممارسة التأمل واليقظة الذهنية تساعدك على التعامل مع هذا الصوت بشكل موضوعي، وأحيانًا التعرف عليه كصوت لأشخاص آخرين، وليس صوتك أنت. عندما تبدأ بإدراك ذلك، يمكنك حينها استدعاء صوت أكثر تعاطفًا ولطفًا تجاه نفسك.
CNN: كيف نساعد أطفالنا على التعامل مع الإفراط في التفكير أو التعلّق الزائد بالأفكار السلبية؟
غريبر: عندما يكون الطفل غارقًا في التفكير المفرط، أو متمسّكًا بفكرة معيّنة، من المهم أن نسمح له بالتعبير عن مشاعره تجاه هذا الموضوع، من دون محاولة كبتها، لكن في الوقت ذاته نضع حدودًا واضحة حولها.
إحدى الأدوات التي نوصي بها تتمثّل بتخصيص "وقت للقلق"، أي وقت محدد في اليوم يُسمح فيه للطفل بأن يفكر ويقلق بشأن ما يشغله، وكأنها "ساعات مكتبية". يمكن أن يكون هذا لمدة ساعة يوميًا، يخصّصها الطفل للتأمل في هذه الأمور. خارج هذا الوقت، نساعده على تحويل انتباهه والخروج من دائرة التفكير المفرط.
إيفانز: عندما يتعلق الأمر بالأفكار التسلطية (intrusive thoughts)، نحب أن نعلّم الأطفال كيفية بناء علاقة صحية مع عقولهم، من خلال فهم أنّ الدماغ في بعض الأحيان يرسل أفكارًا غير مرغوب بها. يمكننا أن نُطلق على هذه الأفكار اسم "أفكار لزجة" (sticky thoughts). فعندما يتمكن الطفل من تصنيف الفكرة والقول: "آه، هذه الفكرة اللزجة عادت من جديد"، يكون قد خطا خطوة مهمة نحو التعامل معها.
إن تصنيف الفكرة والانتباه إليها يمنحها بعض المسافة النفسية. يمكنك تخيل هذه الفكرة على سحابة، ومشاهدتها تتحرك بعيدًا، فهذا التمرين البسيط يمنح الطفل شعورًا أكبر بالسيطرة على أفكاره. ومع الوقت، يتعلّم أنّ الأفكار تأتي وتذهب، وأنه يمتلك القدرة على اختيار ما يسمح له بالمرور إلى وعيه، عوض أن يكون ضحية له في كل مرة.
0 تعليق