معرض الكتاب .. مركزية المعرفة ورمزيتها !

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بقدر ما أصبتُ بالغثيان، وتنملٍ فـي قدمي القابضة على مكابح السيارة لما يقرب من ثلاث ساعات، رغبة مني فـي الوصول إلى معرض مسقط الدولي للكتاب -فـي اليوم قبل الأخير- بقدر ما انتابتني مشاعر غامضة! لقد شاهدتُ البعض يوقفون سياراتهم بعيدا عن المعرض، ويترجلون مشيا لمسافات ليست بالقصيرة، الأمر الذي يُعيدُ ظاهريا مركزية المعرفة ويُضيء رمزيتها المذهلة.

لكن لعلنا نتساءل أيضًا: هل الكثافة البشرية تحملُ فـي طياتها دلالة قاطعة على تماهٍ أصيل مع فعل القراءة، أم أنّ المسألة لا تتعدى حيز الفسحة! هل تنسفُ الكثافة البشرية النظريات التي تُراهن على انطفاء سوق الورق، أم أنّ المسألة تضمرُ صورة غير التي تُظهرها!

لقد كان هذا اليوم على نقيض الأيام الأولى، فقد اشتكت أغلب دور النشر من ضعف الإقبال! يُرجع البعض المسألة لضعف التسويق الذي يسبقُ المعرض عادة، لا سيما مع تغير موعده من «فبراير» إلى «أبريل»، وتزامن إقامته مع إقامة أكثر من معرض كتاب فـي الوطن العربي!

كان يلزمنا تكثيفُ الإعلان والتشويق -بصورة مبكرة- حتى لحظة بلوغه. فتأخر إعلان البرنامج، فوّت على الناس حضور عدد من الجلسات المُهمة، فبدت المقاعد خاوية على عروشها!

لقد طرحتُ سؤالًا فـي المؤتمر الإعلامي: من الذي يختارُ الضيوف، من الذي يختار عناوين الجلسات؟ ولماذا لا يكون المثقف شريكًا فـي صناعة البرنامج ضمن ندوة سابقة لاستعدادات المعرض؟ فرغم وجود جلسات مهمة وضيوف يستحقون قطع المسافات لأجلهم، إلا أنّه بالمقابل ثمّة تكرار لبعض العناوين، تكرار لبعض الضيوف من عام لآخر، أو دعوة ضيوف لا يُشكلون ثقلا رصينا فـي متن البرنامج!

فالمواضيع التي لا تخرج عن رؤية واعية واستراتيجية مدروسة، ولا تخدم الأسئلة الجديدة التي تشغلنا، ستجعلُ كل نسخة من المعرض غير فارقة عن سابقتها!

وأيضا لا تزال العديد من الجلسات تُهدر لعدم تسجيلها، بينما يمكن أن تغدو مادة جيدة للعرض فـي القناة الثقافـية، ومادة أرشيفـية للمعرض!

واحدة من الإخفاقات المتكررة من عام لآخر، التأخر فـي إعلان أسماء المكرمين! فـي الحقيقة كان سيختلفُ الأمر كثيرًا لو أُعلنت أسماؤهم فـي المؤتمر السابق لإقامة المعرض، لو عُلقت صورهم فـي الردهات، لو تمّ الاحتفاء بإصداراتهم كما يليق بهم. بمعنى آخر أن يصير المُكرم أيقونة المعرض، تمامًا كما يتم الإعلان عن المحافظة التي تحل ضيف شرف لكل عام. أن توضع «بوسترات» أو مقاطع فـيديو قصيرة عنهم وعن أسباب تكريمهم!

وعلى ذكر «المحافظات»، وبما أنّ الدور قد مرّ على أغلبها، هل آن أوان التفكير بالاحتفاء بالمدن العريقة؟ للخروج قليلا من الإطار الواسع والشكلي إلى إطار محدد ومُشبع بالقيمة الرمزية!

كان من اللافت أن تكون هناك جلسات يُديرها طلاب الجامعات، تدور حول قضاياهم الجديدة وأسئلتهم المُغايرة، وأن تقام الورش الحية والحيوية طوال أيام المعرض -وإن نفِّذ هذا على نطاق ضيق- بحيث تُستقطب أسماء محلية وعربية فـي مجالات شتى، فـي الكتابة وفـي أشكال الفنون الأخرى.

يبقى أن نشير إلى الأشياء اللافتة: من قبيل استضافة الكاتب الحائز على جائزة البوكر العربية محمد سمير ندا، والذي أُعلن فوزه قبل أيام قليلة من إقامة المعرض، فهذا سبق يحسبُ للمنظمين حقًا. جوار عناوين وجلسات مُلهمة من قبيل: جلسة العولمة وتشكيل الهوية والتي تحدث فـيها نادر كاظم عن صعوبة تشكيل آرائنا وسط سيل من المحتوى الجارف. وجلسة عن شيخ الرحالة الروس افاناسي نيكيتين، حيث تجلت أول إطلالة أوروبية على عُمان، والتي تحدث فـيها دميتري ستريشنيف عن عُمان الحاضرة لأول مرة السجلات الأوروبية كمركز تجاري حيوي. أليس جوثري التي تحدثت عن تحديات ترجمة الأدب العربي إلى العالم باعتبارها موهبة لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعوضها حتى اللحظة، وما قدمه كلايف هولز عن أثر تنوع اللهجات العُمانية فـي دراسة اللغويات. وأيضا موسيقى الجاز لفرقة لوس ميخوريس، وكمان العازف جمعة فايل العريمي وجلسة صُناع الأفلام، وتذكر الفنان موسى عمر والشاعر زاهر الغافري بعد رحيلهما.

قد يظن البعض أنّ المجتمعات التي تستثمر فـي الثقافة والمعرفة تستثمرُ فـي شيء غير محسوس، إلا أنّها فـي الحقيقة تُؤمنُ صمامات حمايتها، وتُصلب الأرض المُهيأة لانزلاقات عبثية !

هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق