لطالما سمعنا في الآونة الأخيرة آراء مختصّين مصحوبة بتقارير ودراسات كلّها تحذّر مما سوف يترتب عليه تطور الذكاء الإصطناعي في المستقبل واحتمالات خروجه عن سيطرة البشر.
هذا التصوّر المقلق الذي ربما كان حتى وقت قريب ضربا من الخيال عندما تتمرّد الروبوتات على البشر، صار موضع نقاش خاصة اذا تخيّلنا جيوشاً من تلك الروبوتات وهي مسلّحة بسلاح الليزر او أية اسلحة فتاكة أخرى وهو ما اشتغلت عليه السينما منذ عقود في اطار من الخيال العلمي المسلّي والممتع بالنسبة الى الجمهور العريض.
ولنا هنا أن نستذكر أفلاما تحدّثت عن تمرّد الذكاء الاصطناعي واحتمالات خروجه عن السيطرة كما في أفلام مثل سلسلة ماتريكس( 1999-2021 ) وفيلم أنا أم – 2019 وفيلم اوبفيليون -2013 وفيلم ترون -2010 وفيلم افينجرز -2009 وفيلم تاو -2018 وفيلم الماكنة -2013 وفيلم انا روبوت 2004 وفيلم ميغان -2023 وفيلم وسلسلة متسابق المتاهة -1982 وفيلم الجدار -إي 2008، وفيلم اوديسا الفضاء -2001، وغيرها من الأفلام.
في هذا الفيلم للمخرج براد بيتون سوف تعود هذه الإشكالية والكابوس البشري الى الواجهة من خلال قصة صراع ونوع من أفلام الحركة والقتال الشرس من خلال ظهور أول إرهابي مبرمج بواسطة الذكاء الاصطناعي وخروجه عن السيطرة بل قراره التمرد على البشر وعلى الحكومات العالمية، هو ومن حوله الاف مؤلفة من الروبوتات التي تعمل في العديد من القطاعات الحياتية المرتبطة بالبشر وخروجهم عليهم بل ووصول الامر الى مواجهات مسلحة.
ها نحن ومع المشاهد الأولى من الفيلم نشاهد تمرّدا روبوتيا عالميا نتج عنه الاف الضحايا من البشر الذين تم الاجهاز عليهم بسبب خروج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة، مشاهد تأتي من العديد من القارات تحمل ذات الشؤم فيما تستجمع الدول خاصة الغربية كالعادة قدراتها من خلال تحالف عالمي يخوض صراعا ضد الذكاء الاصطناعي المتمرد.
بالطبع سوف تزدحم الشاشات بآخر اخبار الصراع الذي سوف تنتقل في اجوائه الى شخصية اطلس ( الممثلة جينيفر لوبيز) وهي مبرمجة متمرسة وعلى معرفة بالذكاء الاصطناعي بل ان من المصادفات العجيبة، ان الذي يقود التمرد العالمي وهو هارلان ( الممثل سيمو ليو) ان هو الا شقيق بالتبني لأطلس نفسها وأن والدتها المختصة بهذا المجال هي التي جلبته وطوّرته وبرمجته بأحدث برامج الذكاء الاصطناعي حتى تمرّد وقرر ترك الأرض الى كوكب اخر يقود فيه ذلك التمرد.
تظهر المشاهد الأولى للصراع وجود روبوتا ضخما مهجنا وهو كاسكا- يقوم بالدور الممثل ابراهام بوبولا والذي كانت اطلس قد طورته، ثم ما نلبث ان نتعمق في حيثيات الصراع وتصبح مهمة اطلس بمثابة تكليف رسمي ان تتصدى للإرهابي هارلان خاصة انها على معرفة مباشرة به وقادرة على النفاذ اليه من نقاط ضعفه، وفي موازاة ذلك يتم رسم شخصية اطلس على انها ذات حنين الى الماضي وتفضل كل ما هو بشري على ما هو آلي او خاضع للبرمجة ولهذا لا تشعر بحماسة شديدة لخوض ذلك الصراع حتى انها تبدو جاهلة بكيفية تشغيل الروبوت الضخم المسمى سميث والذي سوف تجلس في جوفه لتقوم بالمهمات القتالية وهي لا تسحن استخدامها وهي من مفارقات هذا الفيلم.
لا شك ان الفيلم يرتكز الى حد كبير على نجومية جينيفر لوبيز متعدّدة المواهب والتي ما تزال رغم تقدّمها في السن تجتذب الجمهور العريض وهذه مرة تقدّم نفسها لتواكب إحدى أهم تحدّيات ومستحدثات العصر والأزمنة المقبلة ممثلا بالذكاء الاصطناعي والأنظمة الروبوتية ولكن السؤال هو ماذا إضافات لوبيز لهذا الفيلم وهي جعلته بمستوى الأفلام المتميزة؟
بالطبع ان سؤالا كهذا طرحه العديد من النقاد الذين وجدوا ان حزن لوبيز – اطلس وصراخها وبكائياتها المتواصلة في الكثير من المشاهد اضعفت منطلق التحدي الذي تم رسمه في البداية وان المواجهة الرهيبة سوف تقع مع قوى روبوتية مدججة بالمعرفة والسلاح الفتاك مما يتطلب ندّا قوياً متمرسا وهو ما تم افتراضه في شخصية لوبيز لكنّها في كل مشاهد المواجهات تقريبا كانت مختبئة في داخل الروبوت الضخم والمتطور سميث والذي سوف يدحره الخصم وزعيم الإرهاب العالمي الروبوتي هارلان.
وفي إطار القراءات المتعددة لهذا الفيلم نتوقف هنا عند رأي للناقدة تومريس لافلي في موقع روجر ايبيرت السينمائي الشهير حيث تقول " لاشك ان جينيفر لوبيز تتصدر القائمة كنجمة ترفيه متعددة المواهب. يكفي إلقاء نظرة على بعض المشاريع التي أدارتها في السنوات القليلة الماضية كمنتجة وممثلة ومغنية، وستتضح معالم حضورها بوضوح عبر مختلف الأنواع والوسائط
ومن هنا يبدو الأمر كما لو أن لوبيز تُصرّح بجرأة في كل مناسبة بأنها نجمة مؤهلة لتُمثّل كل نوع، بينما هنالك شكوى من افتقاد أنواع محددة من الأفلام التي لم نعد نشاهدها، أو من النجوم الذين لم يعودوا يُبدعون كما كانوا في السابق، لكن ها هي لوبيز تقلب المعادلة وتسوّق نفسها على أنها جاهزة لسد الفراغ، فهل هي سدّته فعليا".
من هنا يمكننا القول انه بسبب طبيعة الفيلم في كونه قائم على تلك البرمجيات الروبوتية المتطورة فإن بنية الصراع ومساراته السردية سوف يطغى عليها القتال الذي لا يختلف عن العاب الفيديو الشائعة في زمننا هذا ، ولهذا تم زج الكثير من المؤثرات البصرية والقتال عن بعد والكرّ والفرّ ما بين الطيب – اطلس والشرّير- هارلان، زعيم الإرهاب العالمي الروبوتي.
من جهة أخرى وبالإشارة الى بنية السرد ومساراته أيضاً فإن هنالك خطان متوازيان في البناء السردي تم تقوّيتهما بمزيد من الحبكات الثانوية ومشاهد من الحياة اليومية، فالخط الأول يتمثل في الصراع الذي نشب بين اطلس وهارلان بينما الخط الثاني قد تمثل في مواجهة جنرالات أمريكا للكارثة الروبوتية غير المسيطر عليها وحيث تكون هنالك مساع لاستبعاد اطلس لوجود مؤشرات ضدها اما لجهة الحبكات الثانوية فقد تنوعت ومنها مثلا عودة الروبوت الضخم المهجن كاسكا الى القتال واندحار الروبوت سميث ومع ذلك شاهدنا استمرار اطلس في القتال.
والحاصل ان اطلس لم يكن لديها ما يؤهلها لا بدنيا ولا معرفياً بالروبوتات القتالية تحديدا، ربما بدت منسجمة مع الروبوتات المسالمة كصانعة القهوة او لاعبة الشطرنج او غيرها ولهذا لم تكن لتنتصر في تلك المعركة لولا لجوئها لاستخدام ما يعرف بالقنبلة الايونية المدمرة والمهلكة والتي تم تحذيرها من استخدامها من طرف الذكاء الاصطناعي لكن حدود قدرتها في تلك اللحظة ليس الصراع والتحشيد والابتكار وإيجاد البدائل بل الضغط على زر واحد لتفنى الروبوتات المتمردة ويتم تعطيل الذكاء الاصطناعي الذي يقود إرهابا عالميا خطيرا.
...
اخراج/ براد بيتون
تمثيل/ جنيفر لوبيز في دور أطلس، سيمو ليو في دور هارلان، مارك سترونغ في دور الجنرال بوث، ابراهام بوبولا في دور كاسكا
سيناريو/ ليو سارداريان، ارون كوليت
مدير التصوير/ جون شوارتسمان
موسيقى/ اندرو لينغتون
الطول/ 120 دقيقة
الكلفة الإنتاجية/ 100 مليون دولار
0 تعليق