loading ad...
ألفريد ماكوي* - (فورين بوليسي إن فوكس) 21/4/2025
يستطيع معظمنا أن يتذكر على الأقل بعض المشاهد المقلقة من رواية جورج أورويل الكابوسية 1984: الحب الإجباري المفروض تجاه الديكتاتور الشبحي "الأخ الأكبر"؛ قابلية الحقائق للتشكيل في وزارة الحقيقة؛ أو شعارات الحزب الحاكم الكئيبة التي لا تُنسى مثل: "الحرب هي السلام، الحرية هي العبودية". ولكن بالنسبة لي، كانت أكثر الصور إزعاجًا ورعبًا على الإطلاق -وقد قرأت الكتاب لأول مرة في المدرسة الثانوية- هي مشهد "دقيقتين من الكراهية"، الذي كان يُثار فيه غضب الجماهير عن طريق صور تهديدية تُعرض على شاشات فيديو عملاقة.
في غضون ثلاثين ثانية فقط، كما كتب أورويل: "بدا أن نشوة بشعة من الخوف والحقد، رغبة في القتل والتعذيب وسحق الوجوه بالمطارق، تندفع في كامل المجموعة مثل تيار كهربائي، تُحوّل المرء -حتى عن غير إرادة- إلى مجنون عابس صارخ ومزمجر". ومع استمرار لحظات الكراهية، تظهر "صورة جندي أوراسي يتقدّم، ضخمًا ومريعًا، مدفعه الرشاش يزمجر، ويبدو وكأنه يقفز خارجًا من سطح الشاشة، حتى أن بعض الذين كانوا في الصفوف الأمامية ارتدوا في مقاعدهم من الذعر". ثم، وبعد أن "طفا على الشاشة صفٌّ بعد صفٍّ من الرجال الصلبين بملامح آسيوية جامدة"، وبلغت الكراهية ذروتها، ظهر وجه الأخ الأكبر "مفعمًا بالقوة وهدوء غامض"، ليدفع الحضور إلى الصراخ: "يا مُخلّصي"! والانخراط في ترديد جماعي بطيء عميق: "بي-بي!… بي-بي"! -مرة ومرة أخرى.
لأنه، كما شرح أورويل، كان سكان أوقيانيا "في حالة حرب مع أوراسيا ومتّحدين مع إيستاسيا". ورسميًا، "كانت أوقيانيا دائمًا في حرب مع أوراسيا"، التي "تُمثّل الشر المطلق". ومع ذلك، كان بطل الرواية، وينستون، "يعلم تمامًا، أنه لم يكن سوى قبل أربع سنوات فقط حين كانت أوقيانيا في حرب مع إيستاسيا ومتّحدة مع أوراسيا".
كان ذلك، بشكل أو بآخر، هو رُعب أورويل النهائي: عالَمٌ مقسوم إلى ثلاث كُتل قارية عظمى، تُمسك بزمام البشرية من خلال قادة مستبدين مثل "الأخ الأكبر"، عن طريق خوض حروب لا تنتهي مع عدو يتغيّر باستمرار. وعلى الرغم من أن أورويل كتب روايته في العام 1948 -قبل عامين فقط من وفاته- إلا أنها بدأت في التجسُّد الآن، بعد أكثر من ثلاثة أرباع قرن، في زمن الرئيس دونالد ترامب، بطريقة مقلقة كمرآة مُرعبة لواقعنا الجيوسياسي، وليس ثمة ما هو أكثر إزعاجًا وإثارة للقلق من ذلك، على الأقل بالنسبة لي.
استراتيجية ثلاثية القارات
وسط سيل من التصريحات المتضاربة والمبهمة التي تتدفق يوميًا من البيت الأبيض في عهد ترامب، بدأت ملامح استراتيجيته الجيوسياسية الفعلية تتشكّل بسرعة مدهشة. بدلًا من الحفاظ على التحالفات الأمنية المتبادلة مثل حلف "الناتو"، يبدو أن الرئيس ترامب يفضل عالمًا مُقسّمًا إلى ثلاث كتل إقليمية كبرى، يرأس كل منها زعيم قوي على شاكلته -حيث تهيمن روسيا على محيطها الأوروبي؛ وتكون الصين القوة الأبرز في آسيا؛ بينما تتحكم الولايات المتحدة، بنسخة جديدة من "قلعة أميركا"، تضم أميركا الشمالية (بما في ذلك، بالطبع، قناة بنما).
من خلال ما وصفه وزير دفاعه ذات مرة بأنه "الاشمئزاز من التطفل الأوروبي"، ومن خلال احتقار إدارته العميق للاتحاد الأوروبي، يدفع ترامب بهذه الاستراتيجية ثلاثية القارات على حساب التحالف التقليدي عبر - الأطلسي، المتمثل في حلف "الناتو"، الذي شكّل لعقود عدة أساس السياسة الخارجية الأميركية منذ بدء الحرب الباردة.
تضفي رغبة ترامب في الهيمنة القارية النهائية منطقًا جيوسياسيًا معينًا على مبادراته التي قد تبدو عشوائية أو خيالية، مثل محاولاته لضمّ غرينلاند إلى الولايات المتحدة، واستعادة قناة بنما، وتحويل كندا إلى "الولاية الحادية والخمسين" في الولايات المتحدة. في اليوم السادس من ولايته، صرّح الرئيس ترامب للصحفيين من على متن الطائرة الرئاسية: "أعتقد أن موضوع غرينلاند سيُحلّ لصالحنا. أعتقد أننا سنحصل عليها". وأضاف: "لا أعلم حقًا ما هو الأساس الذي تستند إليه الدنمارك في امتلاكها. لكنه سيكون تصرّفًا غير ودي للغاية إذا لم يسمحوا بحدوث ذلك (منحها لأميركا)، لأنه لأجل حماية العالم الحر".
وبعد أن قام نائب الرئيس جي. دي. فانس بزيارة خاطفة إلى قاعدة عسكرية أميركية نائية في غرينلاند وأكّد أن سكانها "سيتحالفون في النهاية مع الولايات المتحدة"، أصرّ ترامب على أنه لن يستبعد أبدًا "الخيار العسكري" عند الحديث عن المطالبة بأكبر جزيرة على سطح هذا الكوكب.
بالعودة إلى جاره الشمالي، كرّر ترامب مرارًا وتكرارًا أن منح كندا صفة الولاية الأميركية سيعني أن "شعب كندا سيدفع ضرائب أقل بكثير... ولن يواجه أي مشكلات عسكرية". وخلال أسابيعه الأولى في الحكم، فرض تعريفة جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات القادمة من كندا والمكسيك، تبعتها سريعًا موجة من الرسوم المشابهة، ما أشعل حروبًا تجارية متعددة مع حلفاء كانوا مقربين في السابق. وردًا على ذلك، اتهم جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا آنذاك، والذي كان ترامب قد بدأ يصفه بـ"الحاكم" (بمعنى حاكم الولاية الحادية والخمسين)، في خطاب عاطفي، بأن الرئيس الأميركي يسعى إلى "انهيار كامل للاقتصاد الكندي، لأن ذلك سيسهّل عليه ضمّنا".
في خطاب تنصيبه في كانون الثاني (يناير) الماضي، عبّر ترامب أيضًا عن امتعاضه من أن "قناة بنما... قد مُنحت بسذاجة لدولة بنما بعد أن أنفقت الولايات المتحدة عليها أكثر من أي مشروع آخر وخسرت 38 ألف روح في بنائها". وأضاف: "لقد عوملنا معاملة سيئة للغاية بسبب هذه الهدية الحمقاء التي لم يكن ينبغي تقديمها. وعد بنما لنا تمّ النكث به... وقبل كل شيء، الصين هي التي تُشغّل قناة بنما. ونحن لم نمنحها للصين". وعلى وقع التصفيق، صرّح بالقول: "لقد منحناها لبنما، وسنستعيدها". لذلك لم يكن مفاجئًا أن يقوم ماركو روبيو، في أولى رحلاته كوزير للخارجية، باجتياح مدينة بنما، حيث ضغط على الرئيس البنمي، خوسيه راؤول مولينو، من أجل إرضاء ترامب عن طريق سحب بلاده من "مبادرة الحزام والطريق" الصينية.
في مجملها، تُجسد رؤية ترامب لأميركا القارية "أميركا القلعة" Fortress America، المتمثلة في ضمّ الأراضي الشمالية من كندا وغرينلاند، في حين يُحكم إغلاق الحدود مع المكسيك لأسباب عرقية، مع معاملتها كدولة منفصلة -وإنما خاضعة. وبعد أن تُحكم الولايات المتحدة سيطرتها على المنافذ القطبية الشمالية، تُرسم جبهة دفاعية تمتد من غرينلاند عبر المحيط الأطلسي الشمالي، وتُؤمّن قناة بنما كحصن جنوبي، وتُكرّس الهيمنة العسكرية على كامل المحيط الهادئ. غير أن كل عنصر رئيسي في هذه الاستراتيجية محفوف باحتمالات التصعيد والنزاع، خاصة خطط الإدارة في منطقة المحيط الهادئ، حيث تواجه الولايات المتحدة تحديًا دائمًا من الصين.
هدم النظام العالمي
منذ توليه المنصب لولاية ثانية في كانون الثاني (يناير) 2025، شرع الرئيس ترامب في تنفيذ استراتيجيته للثلاثية القارية بشكل متسارع، عبر تفكيك دعائم النظام الدولي القائم على القواعد، وهو النظام الذي دعمته الولايات المتحدة وسعت إلى ترسيخه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وأثناء وقوفه في حديقة الزهور في يوم الثاني من نيسان (أبريل) في ما سمّاه "يوم التحرير"، أعلن ترامب عن قائمة تعريفات جمركية وصلت إلى 49 في المائة، وُصفت في مجلة "فورين بوليسي" بأنها "ستحطم الاقتصاد العالمي" الذي بنت الولايات المتحدة دعائمه منذ العام 1945، بينما اعتبرت مجلة "الإيكونوميست" أن ذلك "يُنبئ بتخلٍ أميركي كامل عن نظام التجارة العالمية".
وبعد أن وصف "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (USAID) بأنها "فاسدة"، وزعم كذبًا أنه "أوقف إرسال 50 مليون دولار إلى غزة لشراء واقيات ذكرية لحماس"، ألغى ترامب فعليًا معظم المبادرات الإنسانية العالمية التي كانت تديرها تلك الوكالة. وأوقف بذلك 5.800 برنامج كانت توفر حصصًا غذائية لمليون لاجئ من الروهينغيا في بنغلادش، وتمنع الملاريا عن 53 مليون شخص حول العالم، وتُحصّن ملايين الأطفال ضد شلل الأطفال، من بين برامج إنسانية أخرى لا تُعدّ ولا تُحصى.
وفي سيلٍ من الأوامر التنفيذية الإضافية، أمر ترامب أيضًا بإغلاق هيئة البث العالمية "صوت أميركا"، متذرعًا زورًا بأنها "راديكالية" (مع أن قاضيًا أوقف مؤقتًا عملية الإغلاق)، كما انسحب مجددًا من "منظمة الصحة العالمية"، وانسحب من "اتفاقية باريس للمناخ" للمرة الثانية. وبالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بالمجتمعات الفقيرة في ثلاث قارات، أضعف إغلاق معظم برامج "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" الأداة الرئيسية لقوة أميركا الناعمة، فاتحًا بذلك المجال أمام الصين لتشغل موقع الشريك الإنمائي الأوّل لما لا يقل عن 40 دولة حول العالم.
بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، يكون ترامب قد ضمن أن تتنحى الولايات المتحدة عن أي دور قيادي في أخطر قضية تواجه المجتمع الدولي: تغيّر المناخ والتدمير المحتمل للكوكب. وبهذا الانسحاب، ترك فراغًا من المرجّح أن تسده الصين من خلال تقديم قيادة مناخية عالمية مستقرة في مقابل "النهج الأحادي العدواني" الذي يتبعه ترامب في ولايته الثانية تحت شعار "احفر، احفر، لا تتوقف".
في انسجامٍ مع نفوره من التحالفات متعددة الأطراف، كانت أول مبادرة كبيرة في السياسة الخارجية لترامب هي بذل محاولة أحادية للتفاوض على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وفي 12 شباط (فبراير)، أطلق محادثات سلام من خلال ما وصفه بأنه "مكالمة طويلة ومنتجة للغاية" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتفقا فيها على أن "تبدأ فرقنا التفاوض فورًا". وبحلول نهاية الشهر، بلغت التوترات الناتجة عن هذا الميل نحو موسكو ذروتها في اجتماع متلفز من المكتب البيضاوي، حيث عنّف ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقال له: "إما أن تعقد صفقة، أو نحن سننسحب. وإذا انسحبنا، ستواجه مصيرك وحدك. ولا أظن أن ذلك سيكون جميلًا".
لم تضعف هذه المقاربة الأحادية قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها فحسب، وإنما تجاهلت حلف "الناتو"، بل وقللت من شأنه على الرغم من أنه كان قد وسع عضويته وقدرته العسكرية على مدار السنوات الثلاث الماضية من خلال دعمه لمقاومة أوكرانيا ضد الغزو الروسي. وبعد الصدمة الأولى لهذا الخرق غير المسبوق، سارع الأوروبيون إلى تخصيص 160 مليار دولار لتعزيز صناعتهم العسكرية بالتعاون مع كل من كندا (التي لا تتطلع إلى أن تصبح الولاية الحادية والخمسين) وأوكرانيا، بهدف تقليل اعتمادهم في المستقبل على الأسلحة الأميركية. وإذا لم تنسحب إدارة ترامب رسميًا من "الناتو"، فإن عداءه المتواصل للحلف، خصوصًا تجاه مبدأ الدفاع المشترك الأساسي فيه، قد يؤدي إلى إضعاف الحلف أو حتى تقويضه -حتى مع تزايد غضب ترامب مؤخرًا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأنه لم يُظهر ما يكفي من الامتنان لمبادرته. ويشكل هذا مؤشّرًا على أن علاقات الولايات المتحدة في أنحاء أوراسيا قد تدخل قريبًا مرحلة من الفوضى التي يصعب التنبؤ بها.
المعركة على هامش المحيط الهادئ
في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بدأت استراتيجية ترامب العالمية الجديدة في إضعاف التحالفات الأميركية الراسخة هناك. في بداية ولايته الثانية، كانت الوجودية الأميركية هناك تعتمد على ثلاث مجموعات من اتفاقيات الدفاع المشترك: تحالف "أوكوس" مع أستراليا وبريطانيا؛ و"الحوار الأمني الرباعي" (الذي يضم أستراليا والهند واليابان)؛ وسلسلة من الاتفاقيات الدفاعية الثنائية الممتدة على طول ساحل الباسيفيكي من اليابان إلى الفلبين. غير أن ازدراء ترامب للتحالفات العسكرية، وتعنّفه في التعامل مع الحلفاء، وفرضه رسومًا جمركية عقابية متزايدة على صادرات العديد من هؤلاء الحلفاء، سيؤدي بلا شك إلى إضعاف هذه الروابط، وبالتالي تقليص القوة الأميركية في المنطقة.
على الرغم من أن إدارته الأولى خاضت حربًا تجارية شهيرة مع بكين، إلا أن موقف ترامب تجاه جزيرة تايوان ظلّ غامضًا. وكان قد قال في حزيران (يونيو) الماضي خلال حملته الانتخابية: "أعتقد أن على تايوان أن تدفع لنا مقابل حمايتها"، وأضاف: "نحن لا نختلف عن شركة تأمين". ولكن بعد توليه المنصب، أصدر وزير دفاعه، بيت هيغسِث، توجيهًا استراتيجيًا مؤقتًا أكد فيه أن "منع استيلاء الصين على تايوان كأمر واقع... هو السيناريو الوحيد الذي يُوجّه وزارة الدفاع"، وهو ما يتطلب نقل بعض القوات الأميركية من أوروبا إلى آسيا. ومن إشارات الالتزام تجاه الجزيرة، رفعت الإدارة علنًا الرسوم الجمركية والقيود التقنية على الصين، في حين أفرجت بهدوء عن مساعدات عسكرية لتايوان بقيمة 870 مليون دولار. وإذا ما شنّت بكين هجومًا مباشرًا على تايوان -أو، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحًا، فرضت حصارًا اقتصاديًا خانقًا- عليها، فإن ترامب قد يجد نفسه أمام خيار صعب بين التراجع الاستراتيجي أو الانخراط في حرب مدمرة مع الصين.
مهما كانت الطريقة التي قد يُفقد فيها النفوذ على تلك الجزيرة، فإن خسارتها ستمثل ضربة قاصمة للموقف الأميركي على طول الساحل الباسيفيكي، وقد تدفع القوات البحرية الأميركية إلى التراجع نحو "سلسلة الجزر الثانية" الممتدة من اليابان إلى غوام، في تراجع استراتيجي كبير لمكانة أميركا الجيوسياسية في المنطقة. باختصار، سوف يظل غرب المحيط الهادئ، حتى ضمن استراتيجية ترامب الثلاثية القارات، أرضًا متنازعًا عليها بين بكين وواشنطن، مليئًا بإمكانيات الصراع المسلح في سياق التنافس المستمر بين القوتين العظميين، وستبقى الحرب احتمالًا مظلمًا قائمًا.
بقايا خراب
مع ضآلة فرص النجاح، فإن محاولة ترامب لتطبيق استراتيجية الكبرى، "أميركا القلعة"، ستخلّف على الأرجح بقايا من الخراب -حيث تقوّض القوة العالمية للولايات المتحدة، وتضرّ بالنظام العالمي القائم، وتُلحق الأذى بعدد لا يُحصى من البشر حول العالم الذين كانوا يستفيدون ذات يوم من المساعدات الإنسانية التي يقدمها هذا البلد. وقد واجهت محاولته لتوطيد السيطرة على أميركا الشمالية مقاومة حازمة في أوتاوا، التي ردّت عليه بمسعى قوي للانضمام إلى جهود أوروبا المتسارعة لتطوير صناعاتها الدفاعية.
في حين أن من المرجح أن يؤدي نفور إدارة ترامب من التحالفات الرسمية وفرضها الرسوم الحمائية إلى إضعاف العلاقات الدبلوماسية مع الحلفاء التقليديين في آسيا وأوروبا، فإن كلاً من الصين وروسيا قد تحققان مكاسب أكبر في التأثير داخل مناطقهما الإقليمية. ومن منظور استراتيجي، فإن هذا الشروع المنهجي في انسحاب الولايات المتحدة من قواعدها العسكرية على طرفي أوراسيا -أوروبا الغربية وشرق آسيا- سيضعف نفوذها المستمر منذ زمن طويل على هذه الكتلة القارية الشاسعة التي ما تزال تمثل مركز الثقل الجيوسياسي على مستوى العالم. وبتحالفاتها العسكرية التي تتعرض للتآكل، وعلاقاتها التجارية التي تتزعزع بحروب الرسوم الجمركية، سوف يشهد نفوذ واشنطن الدولي، على الأرجح، تراجعًا كبيرًا (أو ما هو أسوأ) مع نهاية الولاية الثانية لترامب في العام 2029.
وفي الأثناء، بينما يقود ترامب الأميركيين في سلسلة من مشاهد "دقيقتي الكراهية" على طريقته الخاصة -ضد الأوروبيين المتطفلين، والباناميين المخادعين، والفنزويليين الأشرار، والأفارقة السود في جنوب القارة، والعاملين الإنسانيين الفاسدين، والمهاجرين غير الشرعيين، والموظفين الفيدراليين الكسالى- يمكننا أن نعتمد على شيء واحد: إنه يقودنا في طريق يذكّرنا بشكل مخيف بعالم رواية "1984". إلا إذا حدث، بالطبع، كما كان حال بطل أورويل "وينستون"، أن أصبح كثيرون منا يحبون "الأخ الأكبر"، فنضع جانبًا دستورنا القديم المترب، ونأخذ بتلميحات ترامب المتكررة لانتخابه لولاية ثالثة في عالم يغرق بسرعة في عاصفة من النزاعات المسلحة، والفوضى التجارية، وتغير المناخ.
*ألفريد دبليو. ماكوي Alfred McCoy: كاتب منتظم في "توم ديسباتش"، وأستاذ التاريخ في جامعة ويسكونسن-ماديسون. من مؤلفاته: "في ظلال القرن الأميركي: صعود وانحدار القوة العالمية الأميركية".In the Shadows of the American Century: The Rise and Decline of U.S. Global Power. وكتابه الأحدث هو "من أجل حكم العالم: الأنظمة العالمية والتحولات الكارثية" To Govern the Globe: World Orders and Catastrophic Change (منشورات ديسباتش). كتابه المقبل هو "الحرب الباردة على خمس قارات: الجغرافيا السياسية للإمبراطورية والتجسس" Cold War on Five Continents: The Geopolitics of Empire & Espionage سيصدر في وقت لاحق من العام المقبل.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: IS 2025 THE NEW 1984?اضافة اعلان
0 تعليق