تتجه أنظار العالم اليوم نحو سلطنة عمان، حيث تتداخل الطبيعة الخلابة مع التاريخ العريق. في قلب هذه التجربة السياحية، يلعب المرشدون السياحيون دورا حيويا كسفراء للثقافة، يقدمون للزوار لمحات حقيقية عن تراث البلاد من خلال تقديم معلومات دقيقة وإيجاد تجارب فريدة. ويواجهون تحديات تتراوح بين الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا وتأثير الظروف المناخية. في هذا السياق، يكشف ممارسو هذه المهنة عن رؤاهم وآمالهم لمستقبل السياحة في سلطنة عمان، مؤكدين أن الرحلة لا تنتهي عند حدود المعرفة، بل تمتد إلى عمق التجربة الإنسانية.
دور المرشد السياحي
قال حمود بن حمد المسعودي: «إن المرشد السياحي يلعب دورا مهما في نقل المعلومات والحقائق عن البلاد. في سلطنة عمان، يُفضَّل أن يكون المرشد السياحي من السكان المحليين ومن المنطقة نفسها ليتمكن من تقديم معلومات دقيقة». موضحًا أن الإرشاد السياحي ينحصر في اللغة الإنجليزية للعمانيين، مما يوجد تحديات للسياح غير الناطقين بها، مثل الألمان والفرنسيين، وهناك نقص في المرشدين السياحيين المحليين الناطقين باللغات الأخرى مثل الإيطالية والألمانية.
وأوضح أن السياح اليوم يعتمدون على تطبيقات الملاحة مثل خرائط جوجل، مما يقلل من الحاجة إلى المرشدين السياحيين، وبعض المواقع، مثل حصن جبرين، توفر أجهزة إرشاد محلية، مما يزيد من الاعتماد على التكنولوجيا، وأشار إلى أن السياحة تتأثر بالظروف المناخية، حيث يقل عدد السياح في فترات مثل رمضان أو خلال الحروب والأوبئة، ويمثل الصيف تحديًا بسبب الحرارة العالية، مما يؤثر على نسبة الزوار.
وقال المسعودي: «هناك حاجة لزيادة الفعاليات والمهرجانات المحلية لتعزيز السياحة، حيث يُعتبر الاحتكاك مع العمانيين تجربة قيمة للسياح، وبالرغم من التحديات الحالية، فإن مستقبل السياحة في عُمان يبدو واعدا».
تجارب محلية
قال يعقوب بن سالم الحبسي: «المرشد السياحي هو سفير ثقافي يعكس هوية عُمان وتاريخها وتراثها أمام الزوار. دوره لا يقتصر على تقديم المعلومات، بل يتعدى ذلك إلى خلق تجربة إنسانية وسياحية ممتعة وآمنة، وربط السائح بالمكان من خلال الحكايات والتفاصيل التي لا تظهر في الكتيبات». وأضاف: «بدأت شغفي بالسياحة منذ سنوات الطفولة، عندما كنت أرافق الزوار في منطقتي وأشرح لهم عن المعالم. لاحقًا طورت هذا الشغف بالدراسة والالتحاق بالدورات المتخصصة، إلى أن حصلت على الترخيص الرسمي كمُرشد سياحي، وبدأت بتنظيم جولات في مختلف أنحاء عُمان».
مشيرًا إلى التحديات التي واجهته، أبرزها قلة الترويج الخارجي لسلطنة عُمان كمقصد سياحي، وصعوبة الوصول لبعض المناطق في بعض المواسم، بالإضافة إلى التحدي الدائم في تقديم تجربة ترقى لتوقعات السياح الذين قد يكونون معتادين على نماذج مختلفة من السياحة.
وأكد الحبسي أن المناخ له دور كبير، خاصة في الصيف، حيث تنخفض أعداد السياح باستثناء المناطق الجبلية مثل الجبل الأخضر، أما اقتصاديًا، فالوضع العالمي يؤثر على قرارات السفر، مما يتطلب مرونة كبيرة في تقديم العروض والخدمات، وهناك تحدي اختلاف الخلفيات الثقافية واللغوية، لكن مع التدريب والممارسة، يصبح المرشد قادرًا على قراءة السياح وفهم ما يفضلونه أو يتوقعونه، وتقديم تجربة تلبي هذه التوقعات.
وأوضح أنه يقوم بتسليط الضوء على خصوصية كل محافظة من خلال المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر التعاون مع وكالات سياحية، وتنظيم جولات تركز على التجارب المحلية كالحرف التقليدية والطهي والضيافة، والتركيز على القصص المحلية، والتجارب الشخصية، والابتعاد عن الأسلوب التقليدي في الشرح، كما يُفضل تقديم «الوجه الآخر» من عُمان، بعيدًا عن المسارات السياحية المعتادة.
وحول الترويج للسياحة، قال: «أرى أن التركيز يجب أن يكون على دعم المجتمعات المحلية، والترويج للسياحة البيئية والثقافية، وتطوير البنية الأساسية دون الإضرار بالبيئة أو الطابع الأصيل للمكان، وتمكين الشباب العُماني للعمل في هذا المجال».
استخدام التكنولوجيا
وأوضح عبدالله بن هاشم الرمضاني أن المرشد السياحي يمثل حلقة الوصل بين الزائر وثقافة البلد، وهو سفير غير رسمي يعكس الصورة الحقيقية لسلطنة عُمان، ويشمل دوره تقديم المعلومات التاريخية والجغرافية، والتعريف بالعادات والتقاليد، وتوفير تجربة ممتعة وآمنة للسياح، كما يساعدهم في فهم ثقافة المجتمع العُماني واحترامها، مما يعزز من جودة تجربتهم. ويلعب المرشد السياحي في عُمان دورًا محوريًا في ربط السياح بالتراث الثقافي والطبيعي للبلاد، فهو ليس مُرشدًا فحسب، بل سفير للثقافة العُمانية، حيث يُقدّم شرحًا وافيًا عن المواقع التاريخية (مثل قلعة نزوى وحصن بهلا) والمناطق الطبيعية (كجبل شمس ووادي شاب). كما يُعنى بتعزيز السياحة المستدامة، وحماية البيئة، وتوضيح العادات الاجتماعية للزوار لضمان احترامها، بالإضافة إلى ذلك، يسهم في دعم الاقتصاد المحلي عبر الترويج للحرف اليدوية والمشاريع الصغيرة.
وأشار إلى بعض التحديات التي تواجهه كمرشد سياحي، وهي السياحة الموسمية، حيث يقل الطلب في أشهر الصيف الحارة، ويتم تعويض ذلك بموسم الجنوب (خريف صلالة)، الذي يكون في الغالب موسما خليجيا عربيا، ولا يحتاج السائح الخليجي فيه إلى مرشد، وبعض الخليجيين أصبحت سلطنة عمان بالنسبة لهم بلدًا ثانيًا. كما يشكّل العمل الموسمي للمرشد في فترة الشتاء (من أكتوبر إلى أبريل) بعض التحدي، خصوصًا لمن يقدم خدمة الإرشاد الحر وغير ملتزم بعقد شهري مع شركات تنظيم الرحلات. يضاف إلى ذلك اعتماد السياح على التطبيقات الذكية بدلا من المرشدين البشريين، ومحدودية بعض البُنى الأساسية في المواقع البعيدة، إضافة إلى قلة الوعي المجتمعي بأهمية دور المرشد السياحي كمهنة احترافية.
وهناك تحديات تتعلق بالتواصل مع السياح أو فهم احتياجاتهم، مثل حاجز اللغة أو اختلاف الخلفيات الثقافية، خصوصًا مع سياح لا يتحدثون الإنجليزية أو العربية. لكن مع الخبرة والتدريب، يتعلم المرشد كيف يتعامل بمرونة ويفهم احتياجات السياح من خلال الإنصات الجيد وطرح الأسئلة المناسبة. ومؤخرًا أصبح لدينا مرشدون عُمانيون يتحدثون أغلب اللغات الأساسية (الألمانية، والفرنسية، والروسية، والصينية، واليابانية، والإيطالية، وغيرها). ويتم التغلب على هذه التحديات عبر التدريب المستمر، واستخدام أدوات تفاعلية (كالصور والفيديوهات)، والتعاون مع مؤسسات سياحية لتطوير مهارات التواصل الثقافي، واقترح الرمضاني عمل «باركود» مباشر للسائح في جميع المواقع السياحية، يكون مربوطا بوزارة التراث والسياحة، مع متابعة مقترحات وملاحظات السائحين عن المزار السياحي، وما هي المفقودات التي يحتاجها.
ومن أبرز التجارب السياحية التي تقدم للسائح: زيارة منزل عائلة عُمانية لعيش التجربة، وهي تجربة فريدة من نوعها، والمشي في جبال الحجر، وزيارة القرى التراثية، والرحلات البحرية لمشاهدة الدلافين، بالإضافة إلى رحلات السفاري في رمال الشرقية.
ونصح زملاءه بالتحلي بالشغف، مؤكدًا أن التثقيف المستمر ضروري؛ سواء في التاريخ، أو اللغات، أو مهارات التعامل مع الآخرين، وأن الاحترافية في التعامل، والابتسامة، والصبر، هي مفاتيح النجاح. وأضاف: «إن كل سائح هو سفير محتمل ينقل صورة عن عُمان إلى بلده، فكل تجربة جيدة نقدمها له قد تجلب عشرات الزوار مستقبلا، فالمرشد السياحي العُماني ليس مجرد دليل، بل هو صوت يحكي حكاية وطن، وينقل للزائر روح المكان، وبجهوده المخلصة، تصبح السياحة رحلة معرفية وثقافية، تعود بالنفع على الزائر والمجتمع على حد سواء».
التغيرات المناخية
قال عيسى بن أحمد الرديني: «في حقيقة الأمر كانت البدايات متوقعة بحكم التخصص الذي أدرسه، حيث إنني أحمل شهادة البكالوريوس في إدارة السياحة والضيافة، وكان من ضمن المقررات التي ندرسها مادة الإرشاد السياحي، حيث تعلمنا الأساسيات التي على كل المرشدين التحلي بها، وخلال تلك الفترة لاحظ المحاضر بدر الذهلي المهارات التي أمتلكها، وعرض عليّ فرصة للعمل في السفن السياحية التي تزور ميناء السلطان قابوس -طيب الله ثراه- في الموسم السياحي، مما ساعدني على تعزيز تلك القدرات والمهارات إلى أن أصبحت أقود المجموعات السياحية الأكبر من حيث العدد، ومن ثم أيضًا تنوعت الأسواق التي أقدم لها الجولات السياحية».
وأضاف: «للأنواء المناخية تأثير مهم في سلطنة عُمان، حيث إن واحدة من الأنشطة المهمة للسائح هي الرياضات البحرية والأنشطة المتعلقة بركوب البحر، حيث يُعد نشاط مشاهدة الدلافين، والرحلات البحرية، ورحلات الصيد من أهم الأنشطة المتعلقة بالسياحة البحرية، ومن العوامل الأخرى المؤثرة حالة الطقس، خاصة في الأنشطة المرتبطة بسياحة المغامرات كالتسلق، والمشي الجبلي، وأيضًا القيادة في المناطق الجبلية والأودية. إذ إن سلامة الفرد أهم من أي نشاط آخر، لذلك تتأثر تجربة السائح بحالة الطقس، وعلى كل المرشدين متابعة الحالة الجوية. أيضًا، على الصعيد الاقتصادي، هناك تحديات عديدة، لعل أبرزها الأزمات الاقتصادية التي تمر بها بعض الأسواق المستهدفة، إضافة إلى حالة التضخم الدولية التي تعصف بهذه الدول».
وأوضح الرديني قائلًا: «يأتي دوري كمرشد سياحي للترويج للمحافظات من خلال عرض وإبراز أهم المقومات السياحية التي تتمتع بها كل محافظة، من تضاريس ومواقع أثرية وتاريخية، وذلك باستخدام التقنيات الحديثة، إضافة إلى مشاركة المعلومات المتعلقة بالمهرجانات. هذه المعلومات توجد رغبة لدى السائح في زيارة مواقع أخرى، مما يترتب عليه عوائد اقتصادية للمحافظة. وعادةً ما أستخدم أسلوب الربط بين الأحداث التاريخية والمواقع الطبيعية ببعضها البعض في مختلف المحافظات. فعلى سبيل المثال، عندما نتحدث عن نظام الأفلاج وطريقة عملها، إضافة إلى الممارسات الاجتماعية والاقتصادية، ودورها التعليمي للأجيال القادمة لغرس مفهوم الأفلاج وأهميتها في المجتمعات المحلية، فإن ذلك يجعل السائح متشوقا لزيارة تلك الأفلاج ومعرفة أهلها عن قرب».
وأضاف: «أضف إلى ذلك تجربة اللبان وما لها من آثار اقتصادية كبيرة، حيث إن العُمانيين اشتهروا بتجارة اللبان، ومما لا شك فيه أن الأنشطة المتعلقة بموسم اللبان ذات جذب سياحي لبعض الفئات للتعرف على الثقافة العطرية في جنوب عُمان».
فعاليات وأحداث محلية
وأكد أن هناك أحداثا أو مهرجانات محلية تسهم في تعزيز السياحة، منها مهرجان خريف ظفار، فهو أيقونة إقليمية يستهدفه السائح المحلي والخارجي بمختلف الفئات. علاوة على ذلك، فقد أحدثت المهرجانات نقلة نوعية على صعيد السياحة المحلية. وفي الوقت الحالي، تبرز الفعاليات المتعلقة بموسم الورد في ولاية الجبل الأخضر والفعاليات المصاحبة له، حيث لوحظ الحراك السياحي من السائح المحلي، خصوصًا في إجازات نهاية الأسبوع. والمتوقَّع والمؤمَّل أيضًا من المهرجانات التي أُقيمت في المحافظات الأخرى أن تُعزز هذا النمو في السنوات القادمة، ونرجو من الجهات المعنية المشاركة في دراسة أثرها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في سلطنة عُمان.
واختتم حديثه بالقول: «أرى أن مستقبل السياحة في سلطنة عُمان مزدهر وإيجابي من خلال الوضع الراهن، حيث إن الاستثمارات في القطاع السياحي في نمو تصاعدي، وهناك ثقة متزايدة من العديد من الشركات والعلامات التجارية. أيضًا، فإن عدد الدارسين للتخصصات السياحية في ازدياد. ومما لا شك فيه أن الجهات الرسمية تعمل باستمرار لجعل هذا القطاع في صدارة القطاعات ذات النمو، والتي تحقق تطلعات وأهداف «رؤية عُمان 2040». أيضًا، وبناءً على الأرقام المعلنة، تُعد السياحة المحلية عاملًا مهمًا لدعم مستقبل صناعة السياحة، من خلال المشاريع التي افتُتحت مؤخرًا وتلك التي ستُفتتح في السنوات القادمة».
ودعا إلى ضرورة بناء تعاون أكبر بين القطاعين العام والخاص، وإيجاد بيئة جاذبة وأرضية صلبة للمضي قدمًا، وتقديم التسهيلات اللازمة للمواطن المحلي للاستثمار في القطاع السياحي، مما يخلق اقتصادًا أقوى، خصوصًا للشركات الصغيرة والمتوسطة، لأنها تُعد عصب الاقتصاد في العديد من الدول.
0 تعليق