ما الذي كوّن شخصيتك بهذا الشكل، فجعلك تتصرف على هذا النحو؟ عدد مهول من التوجيهات، والمواقف التي حصلت أمامك، وملايين أو مليارات الصور الذهنية التي كونتها من خلال مشاهداتك وأثرت فيك وجعلتك على ما أنت عليه، قد تدرك ذلك وقد لا تدركه.
نحن يا شباب – وكل قرائي شباب – نعيش في دوامة كبرى، وسيل جارف من المؤثرات التي لا نكاد نسيطر عليها، بل لا نستطيع السيطرة عليها شئنا أم أبينا، وأنا أتحدث عن الشباب الذي تجاوزوا الأربعين أو قاربوا الخمسين – مثلي – فإذا كان رغم اكتمال العقل وبلوغ سن الرشد تجرفنا المؤثرات كأننا نصارع في سيل عرمرم، فماذا نقول عن الأجيال بعدنا؟
الأجيال! .. نعم الأجيال، لقد قرأتموها بشكل صحيح، فلم يعد عمر الجيل كما عهدناه من قبل في كل مئة سنة ثلاثة أجيال، نحن في عالم السرعة والتحول السريع؛ ولذلك لا تستغرب أن تشاهد بعدك جيلين أو ثلاثة وأنت ما زلت تتمتع بكامل قواك العقلية، لم يصبك الخرف ولم تتقاعد من عملك بعد.
ماذا نقول عن هذا الجيل المشتت الذي لا يكاد يركز معك في الحديث لدقائق معدودة، يطلب منك الاختصار – وإن لم يقل ذلك – ويطلب منك الترميز، واختصار الشرح بذكر المصطلحات، فهو دائما على عجل، وحياته في على عجل، المشاهد أمامه تمر على عجل، وإن لم نغذ السير لمواكبة هذه العجلة سيتركنا أبناؤنا ويذهبون بعيدا عنا.
وهذا ما يحدث بين الأجداد وأحفادهم فعليا، لم يعد هناك روابط أصيلة تربطهم ببعض، اللهم إلا الواجب من أداء السلام، وجلسة المجاملة الخاطفة، وخدمته في شيء يحتاجه إن كان ذلك الحفيد من البارين. ولا تسأل – عزيزي القارئ – عن تلقي الجيل الجديد للحكمة من أفواه الأجداد الخبراء فقد قلت قنوات التواصل للحد الذي تنعدم معه تلك القنوات أحيانا فعليا.
إن العيش في هذا الزخم الهائل يصعّب المهمة على المربين، وهذا الركض يجعل الآباء والأمهات في قلق دائم، ولا بد هنا من وقفات ومراجعات وإرسال رسائل بشتى الوسائل لهذا الجيل السريع، علّهم يعطوننا من وقتهم نزرا يسيرا يستمعون منا إلى توجيه يفيدهم، أو نصيحة توجههم، أو إضاءة يستنيرون بها أثناء سيرهم في دروب الحياة.
وإذا صرفنا النظر تجاه أنواع العلاقات الأخرى كعلاقة الأزواج مع بعضهم، أو الأقارب في اجتماعاتهم، أو الزملاء في العمل، أو الأصدقاء في التجمعات والسفريات، وغيرها من العلاقات الدائمة والعابرة ستقف مذهولا أمام تفاصيل كثيرة لا يمكن الإحاطة بها، ولا يمكن فهمها أو التعامل معها، ومن يخرج منها سالما ذهنيا ونفسيا وربما جسديا فقد أفلح ونجح، الإضاءات حول هذه العلائق والتفسيرات لبعضها، والتوجيهات حول بعضها، وتسليط الضوء على بعض أجزائها ربما يفتح آفاقا لنا جديدة، ويحثنا نحو تصرفات لبقة تضفي على الحياة رونقا جميلا، وتملأ المكان بالطاقة الإيجابية، وتحسن بيئات الأسر وبيئات العمل وبيئات التجمعات بغض النظر عن نوع ذلك التجمع.
amajrshi@
0 تعليق