سلوك الموظف السيئ.. سرطان يدمر الجودة!

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
لدي لك عزيزي القارئ أختي القارئة تساؤل عميق: أيهما يؤثر على الآخر، هل الجودة تُؤثر على سلوك الموظف أم العكس؟

قبل أن نجيب عن هذا التساؤل الجوهري، نحتاج أن نُفكر هل هناك علاقة أصلاً بين الجودة وسلوك الموظف؟ تُؤكد أدبيات علم الإدارة أن هناك ترابطاً وثيقاً بين ممارسات إدارة الجودة الشاملة (TQM) ورضا الموظف وبالتالي سلوكه في المنظمة. حيث إن تطبيق مبادئ الجودة الشاملة في العمل لا يقتصر دوره على تحسين مؤشرات الأداء فحسب، بل يمتد ليؤثر إيجابياً على مدى تفاعل الموظفين فيما بينهم واستعدادهم للمشاركة في عمليات التحسين المستمر. ففي المثال الواقعي، طبّق مركز فرجينيا ميسون الطبي بولاية واشنطن نظاماً يُساعد جميع الموظفين على اكتشاف أي خلل، مثل: تأخر توفر الأدوات والمستلزمات الطبية عند الكشف الطبي، مما اضطر الأطباء والموظفين لإيقاف العمل والبحث عنها، وأخطاء في تجهيز الدُفعات وإدخال بيانات المرضى، مما سبّب إعادة عمل وتكرار خطوات غير ضرورية، وهذا أدى إلى وجود خطوات زائدة أدت إلى ارتفاع معدلات العيوب والهدر والتكاليف. لكن بعد تطبيق مبادئ إدارة الجودة الشاملة، وقيام عدد من الموظفين بالتحسين المستمر انخفضت العيوب بنسبة تتراوح بين 50 و90%. وهذا التحسّن في الأداء الذي قام به الأطباء والموظفون أدى إلى زيادة مشاركتهم في اتخاذ القرارات، وتأثير دورهم في تحسين بيئة العمل، وتعزيز الرقابة الذاتية وتحفيز المبادرة؛ وكل ذلك أدى إلى شعورهم بالرضا الوظيفي.

عودة للتساؤل الذي طرحناه في بداية هذا المقال: أيُّ العُنصرين يؤثر في الآخر، هل الجودة تشكّل السلوك أم أن السلوك يرفع مستوى الجودة؟ الجواب هو أنهما في علاقة تبادلية يُعزّز كلاً منهما الآخر في حلقة إيجابية. فالتطبيق الفعّال لأنظمة الجودة -من تدريب وتقييم وتحفيز- يهيِّئ مناخ عمل يُنمّي في الموظف شعوراً بالمسؤولية والتمكين، فيظهر ذلك جلياً في سلوكياته الإيجابية، مثل: المبادرة والابتكار والالتزام بالمواعيد وتطبيق المعايير. وفي الوقت نفسه، فإنَّ سلوك الموظف الفطري -كاحترافية الأداء وروح الفريق والالتزام بالقيم- يشكّل حجر الأساس لأي استراتيجية جودة ناجحة. فعندما يتبنّى الموظفون سلوكيات عالية المسؤولية والجودة الذاتية، فإنهم يصبحون أقوى حافز لتنفيذ برامج الجودة وتحويلها إلى ثقافة مؤسسية متأصلة، لا تقتصر على الإجراءات الرسمية وحدها.

هنا، قد يلفت انتباهك أننا استخدمنا عبارة «حلقة إيجابية» للإشارة إلى العلاقة التبادلية بين الجودة والسلوك. وهذا يُشير إلى دورة تغذية راجعة متعاظمة (virtuous cycle) بين عنصرين يتبادلان التأثير، بحيث إن تحسين الجودة يؤدي إلى سلوك موظف أكثر إيجابية، مما يولّد مستويات أعلى من التفاعل والمبادرة والحرص على المعايير، فيعزز بدوره مزيداً من تحسينات الجودة. وهكذا تستمر الدائرة في التعزيز الذاتي دون انقطاع. بكلمات أخرى، كلما ارتفع مستوى جودة المنتجات أو الخدمات، شعر الموظفون بأن جهودهم مقدّرة وفاعلة، فزاد حماسهم والتزامهم، مما ينعكس مباشرة على رفع معايير الجودة أكثر فأكثر.

تلخيصاً لما سبق، العلاقة بين الجودة وسلوك الموظف ليست خطية أحادية الاتجاه، بل ديناميكية يُغذّي فيها كل متغير الآخر. الجودة المنشودة لا تُبنى إلا على سلوك موظف ملتزم ومحفَّز، والموظف المنخرط في ثقافة الجودة يرفع من مستوى المخرجات بشكل ملحوظ. ولضمان استدامة هذه الحلقة الإيجابية، يجب على المؤسسات تصميم برامج متكاملة تتضمن التدريب والتقييم والتحفيز، مع بناء ثقافة تنظيمية تشجع على مسؤوليّة الأفراد وتقدّر مساهماتهم في تحقيق التميّز. أخيراً، الجودة وسلوك الموظف وجهان لعملة الوطن. فلْنَستثمر فيهما معاً، ولنصنع التميز، ونبني منظمات تنافسية، ونساهم في تحقيق رؤية المملكة 2030. فاليد التي تُجوّد العمل، هي نفسها التي ترفع راية الوطن بسلوكها، لتكون المملكة يوماً ما ضمن «G7» بإذن الله.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق