يعيش العالم لحظة يمكن أن توصف بالرومانسية في رسم مسار علاقته بالطاقة المتجددة، ويبدو الأمر ظاهريا وكأنه قضية محسومة: الاستغناء التدريجي عن الوقود الأحفوري لصالح مصادر أنظف وأكثر استدامة. لكن الواقع الاقتصادي والاستراتيجي أكثر تعقيدا بكثير مما يبدو في هذه الصورة الرومانسية التي نتصورها أمامنا الآن. فما يُروج له كمسار تقني واضح، هو في الحقيقة معضلة مركبة تتشابك فيها اعتبارات السيادة الوطنية، والربحية الصناعية، واستقرار الأسواق، وتوازنات القوى الجيوسياسية.
المعضلة لا تكمن فقط في الانتقال إلى طاقات بديلة، بل في إدارة التحول ذاته: من سيموّله؟ من سيقوده؟ ومن سيدفع ثمن تباطؤه أو تسارعه؟ في الاقتصادات الريعية، كما في بعض دول الخليج، يتحول هذا التحدي إلى اختبار لمصداقية الخطط التنموية بعيدة المدى.
الهيدروجين الأخضر، مثلا، يُطرح اليوم كمصدر واعد للطاقة وصناعة المستقبل، لكن الأسئلة الكبرى حول جدواه التجارية، وتكلفة إنتاجه، وبنية توزيعه، ما زالت بلا إجابات واضحة. في الوقت نفسه، يُعاد تعريف أمن الطاقة: من تأمين الإمدادات الأحفورية إلى ضمان استقرار الشبكات الكهربائية، وسلاسة سلاسل التوريد الجديدة، وقدرة النظم الاقتصادية على التكيف مع صدمات العرض والطلب في أسواق الطاقة المتجددة، التي تتسم حاليا بتقلبات أعلى من تلك التقليدية.
ثم يأتي الذكاء الاصطناعي كلاعب حاسم، لا في تسريع الابتكار فحسب، بل في إدارة تعقيدات منظومة طاقة أكثر لا مركزية ومرونة. تكمن الفرصة هنا في أن تسهّل الأدوات الرقمية اتخاذ القرار الاستثماري، وتحسين كفاءة الاستهلاك، والتنبؤ بالطلب، وتعزيز التكامل بين مصادر الطاقة المتجددة والتقليدية على السواء.
أما الاقتصاد الدائري، فهو ليس مجرد مفهوم بيئي، بل استراتيجية اقتصادية لمواجهة اختلالات النمو القائم على الاستنزاف. تقف سلطنة عُمان – التي تتبنى هذا النهج – أمام فرصة نادرة لدمج الاستدامة في جوهر إنتاجها الوطني، لكن ذلك يتطلب إصلاحات هيكلية جريئة، من سوق العمل إلى النظام الضريبي، ومن الحوكمة البيئية إلى منظومة الابتكار المحلي.
التحول في الطاقة، إذن، ليس خطا مستقيما، بل حقل تنازعي تتقاطع فيه مصالح المستثمرين، والدول، والتقنيات، والمجتمعات. في هذا العدد من ملحق جريدة عُمان الاقتصادي، نفتح نقاشا معمقا حول سُبل تحويل معضلة التحول إلى فرصة استراتيجية. ويجد القارئ الكثير من المقالات والحوارات والتحليلات التي تحاول بلورة تصور حول المعضلة في طريق فهمها أولا والبحث عن حلول عملية لها منذ العتبات الأولى وقبل أن نتفاجأ بتفاصيل العلاقة الرومانسية التي تتشكل بيننا وبين الطاقة المتجددة التي تشغل العالم أجمع هذه الأيام.
0 تعليق