loading ad...
عمان- ارتأى نقاد أن المجموعة الشعرية "أشجار بلون الهديل"، للشاعر سعد ياسين يوسف، تسلط الضوء على جوانب متعددة من الحياة الإنسانية وأزماتها. وأنها رحلة شعرية فريدة تعبر عن حنين الإنسان للحياة وتحديه في مواجهة الظلام. حيث تبرز قدرة الشاعر على خلق صور جمالية متجددة تستدعي ذكريات وأحداث قد تبدو عابرة، ولكن حضورها في الشعر يبقى خالدا.اضافة اعلان
جاء ذلك في حفل توقيع المجموعة الشعرية الذي أقيم أول من أمس، ونظمه "منتدى البيت العربي الثقافي".
وناقش النقاد في الحفل سمات هذه المجموعة، وهم: الدكتور راشد عيسى، والدكتور رشيد هارون، وتم الكشف عن أبعاد هذه النصوص الشعرية، التي تمزج بين الحداثة والأصالة، وتجمع بين السرد الشعري والفن التشكيلي، وتلقي الضوء على الرمزية التي يحملها كل عنصر في القصيدة.
تناول المتحدثون في الحفل الذي أقيم في المكتبة الوطنية وأدارته المهندسة قمر النابلسي، بعض الجوانب الأساسية التي تميز هذه المجموعة الشعرية، من خلال تحليل الرؤى النقدية التي قدمها النقاد، واستكشاف الرمزية العميقة التي قدمها الشاعر في قصائده، ولاسيما تلك التي تتناول الشجرة كرمز للحياة والنماء في ظل الدمار.
واعتبر المشاركون أن التجارب الإبداعية التي تجسد معاناة الإنسان وأمله، وتبرز جماليات اللغة، تعد بمثابة الضوء الذي يكشف لنا جمال الروح البشرية. ومن بين هذه التجارب المتميزة، تأتي المجموعة الشعرية "أشجار بلون الهديل" للشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف، التي أضاءت سماء الأدب العربي بلغة تجمع بين الشفافية العاطفية والعمق الفني.
الدكتور راشد عيسى أشار إلى أن في هذه المجموعة، التي أسماها "ثمارًا جمالية في أشجار الهديل"، يتجلى الشاعر سعد ياسين يوسف كصوت خصيب بالشفافية، عامر بحقول الحرية الجمالية، وتظهر فيه سمات طائر الهدهد. فالهدهد طائر متصالح مع ذاته، شاهد محايد على أخلاق الكروم التي يعيش فيها، ويقيم علاقة متوازنة مع الباشق واليمامة على حد سواء، دون انحياز. ومن هنا، تنبع قصائد الشاعر كاحتفال طفولي صادق بحنين الحياة إلى الحياة، أو كأنها لوحات تشكيلية تجمع بين الانطباعية والسريالية معا.
ورأى عيسى أن شعرية يوسف تستند إلى مبدأ الجمال والنضال الفني ضد القبح والاستلاب والدمار، كما في قصائده التي تناولت المآسي الإنسانية كالحروب والزلازل والحرائق، وحرب غزة تحديدا.
وتوقف عيسى عند العنوان، معتبرا إياه مدخلا دلاليا لقصائد المجموعة: "أشجار الهديل"؛ إذ إن الأشجار كائن نباتي، والهديل صوت، وصوت الحمامة في الحزن يسمى هديلا، بينما في الحالات العادية يسمى "سجعا". ومن هذا التداخل، تنشأ علاقة قرابة ووحدة شعورية بين الشجر والحمام، حيث يصبح الصوت نباتا، في انزياح دلالي أضفى على العنوان شخصية فنية فريدة، تختلف عن استخدامات سابقة كقول المعري:"أبناتِ الهديل أسعِدْنَ / أو عِدْنَ قليلَ العزاءِ بالإسعادِ"، أو قول أبي فراس الحمداني: "أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ / أيا جارتا لو تعلمين بحالي".
وأوضح عيسى أن تقييم شعرية الشاعر تبنى على مدى تجاوزه للأنماط التقليدية، وتخليه عن "مفسدات الشعر" من خطابية ومنبرية ومناسباتية، ونمطية اتباعية، ونظم حماسي عاطفي سهل الزوال، يشبه العطر المغشوش. وبقدر ما يتجاوز الشاعر هذه المظاهر، يظهر ابتكاره الجمالي الجديد.
وقال عيسى، إن المجموعة تتلألأ بملامح جمالية أكسبت النصوص فرادة ونكهة خاصة، يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور: أولها الخصوصية في توظيف ثيمة "التشجير": حيث تحمل أغلب دواوين يوسف عنوانا يحتوي على كلمة "الأشجار"، مثل: "شجر يعمر الأرض"، "شجرة الأنبياء"، "أشجار خريف موحش"، "الأشجار لا تغادر أعشاشها"، وغيرها، حتى لقب بـ"شاعر الأشجار.
ثانيا الانتصار للحياة والحب: فالقصائد تعبر عن موقف وجودي عالي السمو، وتدين العنف والدمار، مستخدمة الشجر كقناع فني أو معادل موضوعي يرمز للحياة، كما في عبارة: "سآوي إلى سروة تشير بألف ذراع إلى السماء"، حيث ترمز السروة إلى الخلاص وعلو فؤاد الشاعر.
ثالثا: ينطوي شعر سعد ياسين يوسف على ثلاثية من معايير الجودة الشعرية، هي: الأصالة، والمعاصرة، والحداثة.
وأضاف أن هذه النصوص بنيت على هندسة شعرية تقوم على المشهديات والمواقف القصصية، ضمن ما يعرف بـالسرد الشعري، حيث تتنفس القصيدة من خلال الزمان والمكان والحدث والشخوص، من دون أن تتخلى عن هويتها الشعرية أو تنفصل عن جوهر الشعر.
وخلص عيسى إلى أن الحداثة تتجلى في مواكبة القصيدة لتحولات الشكل في النص الشعري الجديد؛ إذ إن قصائد الديوان تبنى وفق طراز العمارة المفتوحة لقصيدة النثر، وتقوم على مبدأ تداخل الأجناس الأدبية وانفتاح النص الأدبي على أشكال فنية أخرى. وهذه النصوص تتسم في بنيتها الهندسية بالمشهديات والمواقف القصصية، ضمن ما يعرف بالسرد الشعري، بحيث تحمل القصيدة نفسا سرديا يشتمل على الزمان والمكان والحدث والشخصيات، من دون أن تتخلى عن هويتها الشعرية.
ومن جانبه، قال الناقد الدكتور رشيد هارون: إن أهمية موضوع قصيدة سعد ياسين يوسف تكمن في كونها، رغم منشئها النفسي الفردي، تنتج مشهدا جمعيا يشبه نتاج المدينة من مسرح ورواية وقصة، لكن بطريقة شعرية. وهكذا، فإن الشاعر يركب المشاهد ويعرضها في سياق قابل للتفكيك والتركيب، ويوازن بين السواد (الحزن) والبياض (الأسلوب والعرض).
وأضاف هارون نحن أمام مشاهد قصيرة جدا تكون في مجموعها قصة ضمن قصيدة، بحيث يمكن، لولا التناص الشكلي، إرجاعها إلى أصلها القصصي. وهو ما لا تفعله القصيدة السردية عادة، لكنها هنا فعلت ذلك، كما في قصيدة "أنا وهي"، حيث نقرأ: "مررتُ بها.../هي مازالتْ بعينيها الخضراوين/واقفةً على ناصية الشَّارع/مذ نقشتُ أولَّ حرفينِ واسمي".
وأشار هارون إلى أن الزمن الماضي المستخدم يوحي بعلاقة عميقة قديمة، وأن الشاعر يعلق حضوره مؤقتا، مستعينا بأفعال ماضية مكثفة تعكس الأحداث باقتصاد لغوي: "مرّ الطفلُ فرمى الوردةَ/أسفلَ قدميها/ولوّحَ بالتّوديعِ لقامتها"، وفي مشهد لاحق:"مرَّ الجنديُّ/أخرج حربتهُ وانهمكَ بنقشِ اسمهِ/على رمانتِها، اسماً.../لم يحملهُ قرصُ الموتِ/وما أنْ أكملَ رسمَهُ/انتزعَ القرصَ وقلَّدها حُزنَهُ".
وأكد هارون أن الشاعر أعطى عناية واضحة للمكان، بتوسيعه أفقيا وعموديا: "قرصُ الشمسِ يعلو في كَبِد الوقتِ/والحافلةُ تُطلقُ آخرَ صوتٍ!!!".
وقال هارون: في المشهد اللاحق، يتسع فضاء المكان أفقيا وعموديا، وهو ما يعد جزءًا من عناية السرد بالفضاء والمكان، وقد استثمره الشاعر داخل جو القصيدة: "قرصُ الشَّمسِ يعلو في كَبِد الوقتِ / والحافلةُ تُطلقُ آخرَ صوتٍ!!!"
ويشير إلى أن استعانة الشاعر بالجماد - قرص الشمس والحافلة - جاءت لفتح المشهد وتوسيعه. وإذا كان القاص يولي التفاصيل عناية خاصة، فإن الشاعر لم يعن كثيرا بتلك التفاصيل، حفاظا على سمة الأداء الشعري، وللتأكيد على أنه، رغم انخراطه في تجربة شعرية، فإنه في حالة من اليقظة والسعي الدؤوب للحفاظ على الخط الموازي للقصيدة، ذلك الخط الذي تجلى في شكل القص القصير.
ورأى هارون أن الشاعر اعتنى بالحركة والأشخاص كوسيلة للاقتراب أكثر من التناص الشكلي مع القصة، بهدف خلق مشاهد تستدعي الجو القصصي. وفي الوقت ذاته، يعمل الحس الشعري على التقاط بعض التفاصيل لإغناء المشهد بالحركة، كما في المثالين الآتيين: "هَروَلَ ومضى الجنديُ/مرّت طالبةُ الكليةِ / مدّت يدَها ... / أخرجت الأحمرَ / رسمت نصفَ فمٍ / تشتعلُ فيه النّارُ... / قلبًا... / تخشى البوحَ بنبضهِ / خشية أن يمتلئَ الدربُ / بالليلكِ.
تلا ذلك قراءة الشاعر مجموعة من قصائد الديوان الذي صدر عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع، وضمت (34) قصيدة تناولت موضوعاتها حضارة العراق وهموم الإنسان فيه، وقدرته الهائلة على النهوض بعد كل دمار، متخذا الشجرة رمزا محوريا في قصائده.
جاء ذلك في حفل توقيع المجموعة الشعرية الذي أقيم أول من أمس، ونظمه "منتدى البيت العربي الثقافي".
وناقش النقاد في الحفل سمات هذه المجموعة، وهم: الدكتور راشد عيسى، والدكتور رشيد هارون، وتم الكشف عن أبعاد هذه النصوص الشعرية، التي تمزج بين الحداثة والأصالة، وتجمع بين السرد الشعري والفن التشكيلي، وتلقي الضوء على الرمزية التي يحملها كل عنصر في القصيدة.
تناول المتحدثون في الحفل الذي أقيم في المكتبة الوطنية وأدارته المهندسة قمر النابلسي، بعض الجوانب الأساسية التي تميز هذه المجموعة الشعرية، من خلال تحليل الرؤى النقدية التي قدمها النقاد، واستكشاف الرمزية العميقة التي قدمها الشاعر في قصائده، ولاسيما تلك التي تتناول الشجرة كرمز للحياة والنماء في ظل الدمار.
واعتبر المشاركون أن التجارب الإبداعية التي تجسد معاناة الإنسان وأمله، وتبرز جماليات اللغة، تعد بمثابة الضوء الذي يكشف لنا جمال الروح البشرية. ومن بين هذه التجارب المتميزة، تأتي المجموعة الشعرية "أشجار بلون الهديل" للشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف، التي أضاءت سماء الأدب العربي بلغة تجمع بين الشفافية العاطفية والعمق الفني.
الدكتور راشد عيسى أشار إلى أن في هذه المجموعة، التي أسماها "ثمارًا جمالية في أشجار الهديل"، يتجلى الشاعر سعد ياسين يوسف كصوت خصيب بالشفافية، عامر بحقول الحرية الجمالية، وتظهر فيه سمات طائر الهدهد. فالهدهد طائر متصالح مع ذاته، شاهد محايد على أخلاق الكروم التي يعيش فيها، ويقيم علاقة متوازنة مع الباشق واليمامة على حد سواء، دون انحياز. ومن هنا، تنبع قصائد الشاعر كاحتفال طفولي صادق بحنين الحياة إلى الحياة، أو كأنها لوحات تشكيلية تجمع بين الانطباعية والسريالية معا.
ورأى عيسى أن شعرية يوسف تستند إلى مبدأ الجمال والنضال الفني ضد القبح والاستلاب والدمار، كما في قصائده التي تناولت المآسي الإنسانية كالحروب والزلازل والحرائق، وحرب غزة تحديدا.
وتوقف عيسى عند العنوان، معتبرا إياه مدخلا دلاليا لقصائد المجموعة: "أشجار الهديل"؛ إذ إن الأشجار كائن نباتي، والهديل صوت، وصوت الحمامة في الحزن يسمى هديلا، بينما في الحالات العادية يسمى "سجعا". ومن هذا التداخل، تنشأ علاقة قرابة ووحدة شعورية بين الشجر والحمام، حيث يصبح الصوت نباتا، في انزياح دلالي أضفى على العنوان شخصية فنية فريدة، تختلف عن استخدامات سابقة كقول المعري:"أبناتِ الهديل أسعِدْنَ / أو عِدْنَ قليلَ العزاءِ بالإسعادِ"، أو قول أبي فراس الحمداني: "أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ / أيا جارتا لو تعلمين بحالي".
وأوضح عيسى أن تقييم شعرية الشاعر تبنى على مدى تجاوزه للأنماط التقليدية، وتخليه عن "مفسدات الشعر" من خطابية ومنبرية ومناسباتية، ونمطية اتباعية، ونظم حماسي عاطفي سهل الزوال، يشبه العطر المغشوش. وبقدر ما يتجاوز الشاعر هذه المظاهر، يظهر ابتكاره الجمالي الجديد.
وقال عيسى، إن المجموعة تتلألأ بملامح جمالية أكسبت النصوص فرادة ونكهة خاصة، يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور: أولها الخصوصية في توظيف ثيمة "التشجير": حيث تحمل أغلب دواوين يوسف عنوانا يحتوي على كلمة "الأشجار"، مثل: "شجر يعمر الأرض"، "شجرة الأنبياء"، "أشجار خريف موحش"، "الأشجار لا تغادر أعشاشها"، وغيرها، حتى لقب بـ"شاعر الأشجار.
ثانيا الانتصار للحياة والحب: فالقصائد تعبر عن موقف وجودي عالي السمو، وتدين العنف والدمار، مستخدمة الشجر كقناع فني أو معادل موضوعي يرمز للحياة، كما في عبارة: "سآوي إلى سروة تشير بألف ذراع إلى السماء"، حيث ترمز السروة إلى الخلاص وعلو فؤاد الشاعر.
ثالثا: ينطوي شعر سعد ياسين يوسف على ثلاثية من معايير الجودة الشعرية، هي: الأصالة، والمعاصرة، والحداثة.
وأضاف أن هذه النصوص بنيت على هندسة شعرية تقوم على المشهديات والمواقف القصصية، ضمن ما يعرف بـالسرد الشعري، حيث تتنفس القصيدة من خلال الزمان والمكان والحدث والشخوص، من دون أن تتخلى عن هويتها الشعرية أو تنفصل عن جوهر الشعر.
وخلص عيسى إلى أن الحداثة تتجلى في مواكبة القصيدة لتحولات الشكل في النص الشعري الجديد؛ إذ إن قصائد الديوان تبنى وفق طراز العمارة المفتوحة لقصيدة النثر، وتقوم على مبدأ تداخل الأجناس الأدبية وانفتاح النص الأدبي على أشكال فنية أخرى. وهذه النصوص تتسم في بنيتها الهندسية بالمشهديات والمواقف القصصية، ضمن ما يعرف بالسرد الشعري، بحيث تحمل القصيدة نفسا سرديا يشتمل على الزمان والمكان والحدث والشخصيات، من دون أن تتخلى عن هويتها الشعرية.
ومن جانبه، قال الناقد الدكتور رشيد هارون: إن أهمية موضوع قصيدة سعد ياسين يوسف تكمن في كونها، رغم منشئها النفسي الفردي، تنتج مشهدا جمعيا يشبه نتاج المدينة من مسرح ورواية وقصة، لكن بطريقة شعرية. وهكذا، فإن الشاعر يركب المشاهد ويعرضها في سياق قابل للتفكيك والتركيب، ويوازن بين السواد (الحزن) والبياض (الأسلوب والعرض).
وأضاف هارون نحن أمام مشاهد قصيرة جدا تكون في مجموعها قصة ضمن قصيدة، بحيث يمكن، لولا التناص الشكلي، إرجاعها إلى أصلها القصصي. وهو ما لا تفعله القصيدة السردية عادة، لكنها هنا فعلت ذلك، كما في قصيدة "أنا وهي"، حيث نقرأ: "مررتُ بها.../هي مازالتْ بعينيها الخضراوين/واقفةً على ناصية الشَّارع/مذ نقشتُ أولَّ حرفينِ واسمي".
وأشار هارون إلى أن الزمن الماضي المستخدم يوحي بعلاقة عميقة قديمة، وأن الشاعر يعلق حضوره مؤقتا، مستعينا بأفعال ماضية مكثفة تعكس الأحداث باقتصاد لغوي: "مرّ الطفلُ فرمى الوردةَ/أسفلَ قدميها/ولوّحَ بالتّوديعِ لقامتها"، وفي مشهد لاحق:"مرَّ الجنديُّ/أخرج حربتهُ وانهمكَ بنقشِ اسمهِ/على رمانتِها، اسماً.../لم يحملهُ قرصُ الموتِ/وما أنْ أكملَ رسمَهُ/انتزعَ القرصَ وقلَّدها حُزنَهُ".
وأكد هارون أن الشاعر أعطى عناية واضحة للمكان، بتوسيعه أفقيا وعموديا: "قرصُ الشمسِ يعلو في كَبِد الوقتِ/والحافلةُ تُطلقُ آخرَ صوتٍ!!!".
وقال هارون: في المشهد اللاحق، يتسع فضاء المكان أفقيا وعموديا، وهو ما يعد جزءًا من عناية السرد بالفضاء والمكان، وقد استثمره الشاعر داخل جو القصيدة: "قرصُ الشَّمسِ يعلو في كَبِد الوقتِ / والحافلةُ تُطلقُ آخرَ صوتٍ!!!"
ويشير إلى أن استعانة الشاعر بالجماد - قرص الشمس والحافلة - جاءت لفتح المشهد وتوسيعه. وإذا كان القاص يولي التفاصيل عناية خاصة، فإن الشاعر لم يعن كثيرا بتلك التفاصيل، حفاظا على سمة الأداء الشعري، وللتأكيد على أنه، رغم انخراطه في تجربة شعرية، فإنه في حالة من اليقظة والسعي الدؤوب للحفاظ على الخط الموازي للقصيدة، ذلك الخط الذي تجلى في شكل القص القصير.
ورأى هارون أن الشاعر اعتنى بالحركة والأشخاص كوسيلة للاقتراب أكثر من التناص الشكلي مع القصة، بهدف خلق مشاهد تستدعي الجو القصصي. وفي الوقت ذاته، يعمل الحس الشعري على التقاط بعض التفاصيل لإغناء المشهد بالحركة، كما في المثالين الآتيين: "هَروَلَ ومضى الجنديُ/مرّت طالبةُ الكليةِ / مدّت يدَها ... / أخرجت الأحمرَ / رسمت نصفَ فمٍ / تشتعلُ فيه النّارُ... / قلبًا... / تخشى البوحَ بنبضهِ / خشية أن يمتلئَ الدربُ / بالليلكِ.
تلا ذلك قراءة الشاعر مجموعة من قصائد الديوان الذي صدر عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع، وضمت (34) قصيدة تناولت موضوعاتها حضارة العراق وهموم الإنسان فيه، وقدرته الهائلة على النهوض بعد كل دمار، متخذا الشجرة رمزا محوريا في قصائده.
0 تعليق