سياسة الاحتواء وملء الفراغ

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في حديثه المهم لقناة ومنصة أساس ميديا اللبنانية أشار الدكتور عبد العزيز بن صقر إلى أهمية الدور السعودي المتنامي سياسيا واقتصاديا واستحقاقها مكانة كبرى إقليميا ودوليا، باعتبار مركزيتها التاريخية في وجدان العالم الإسلامي، وقيمة موقعها الاستراتيجي، ناهيك عن قوة اقتصادها وتنوع استثماراتها. وهو ما أهلها لتكون دولة رائدة في الشرق الأوسط، وذات مكانة أولى على الصعيد العربي.

في السياق ذاته أشار بن صقر في حواره إلى أهمية أن تقوم السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بملء الفراغ الحاصل في المشرق العربي، وفي تصوري فذلك أكثر ما نحتاج إليه، وأول ما يجب أن يكون، تفاديا لما سبق من أخطاء استفاد منها الآخر الإقليمي سواء إيران أو تركيا، ناهيك عن بدء تدخل إسرائيل في ثنايا مشهدنا العربي.

في هذا الإطار فليس خافيا حجم التمدد الإيراني في الجوار العربي، سواء في العراق، إثر احتلال الولايات المتحدة له بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، أو في اليمن إثر سقوط نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، علاوة على تجذرهم في سوريا ولبنان وصولا إلى قطاع غزة باسم دعم المقاومة.

واليوم يمكن أن يتكرر المشهد في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وتولي الجماعات السياسية والعسكرية المدعومة من تركيا سدة السلطة بها، وهو ما تعمل السعودية على تلافي تكرار ما سبق في العراق بالتفاهم مع تركيا من جهة، وبتكريس تواصلها مع القيادة السورية الجديدة وتقديم كل العون والمساندة لها كما حدث في إعلان الرئيس ترامب عن رفع العقوبات عن سوريا من العاصمة الرياض، ثم لقاء الرئيس أحمد الشرع وعقد جلسة مباحثات ثلاثية بحضور الرئيس التركي عبر الهاتف.

أشير إلى أن السياسة تقتضي المرونة، وتقوم على المراجعة الدورية لمختلف القرارات، والنظر في نتائجها إن سلبا أو إيجابا، وأتصور بأن أكثر ما قصرنا فيه سابقا كان في عدم وجود استراتيجية سياسية ذكية لتحقيق سياسة الاحتواء وملء الفراغ بمهارة عالية، تقوم على تكريس المصالح البينية وليس على ترويج الأهداف الأيدولوجية سواء كانت دينية طائفية، أو سياسية كما هو الحال مع الأحزاب اليسارية كالحزب الاشتراكي، أو القومية كتيار الناصرية أو حزب البعث.

هذا ما نحتاج إليه اليوم، وأقصد أن يتم ملء الفراغ واتباع سياسة الاحتواء بمنظور عربي خالص، قائم على المنفعة، وبعيد أن أي تبشير لأفكار عقائدية دينية كانت أو سياسية، وهو ما تنتظره سوريا بتقسيماتها الطائفية المتنوعة من دروز وعلويين وشيعة علاوة على المسيحيين؛ وينتظره لبنان أيضا بأطيافه المتنوعة وبخاصة أولئك الذين تهدمت بيوتهم جراء العدوان الإسرائيلي، ويحتاجه اليمن بشكل مكثف في الجانب الآخر، وكل أولئك قد تم احتوائهم من قبل إيران من قبل، والتي وجدت فراغا تركناه، أو لم نحسن ملئه بشكل سياسي جيد، فسارعت بدهاء إلى ملئه واحتواء من فيه بذكاء سياسي عاطفي؛ وهو ما تسعى له إسرائيل اليوم لممارسته في سوريا بإعلان حمايتها للدروز وغيرهم؛ الأمر الذي يوجب تحركا سريعا لاحتواء المشهد وملء الفراغ بذكاء سياسي، عبر رؤية استراتيجية يقودها رجال أكفاء لم ينغمسوا من قبل في أي صراع أيدولوجي سياسي أو طائفي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق