تكشف نظرة سريعة على عناوين الأخبار اليومية حقيقة عالمية: القيادة مهمة. وسواء كانت قيادة ملهمة وأخلاقية أو سامة ومتسلطة، فإن القادة يشكلون حياتنا بشكل كبير. وهذا ينطبق بشكل خاص في بيئة العمل.
وتشير الأبحاث إلى أن القيادة تؤثر في مواقف الموظفين وسلوكهم وعواطفهم، ما يؤثر في نتائج أساسية مثل الإبداع، ومستوى التفاعل، والرفاهية، والأداء المالي للمؤسسة. ولكن للأسف، تُظهر الأبحاث أيضاً أن المشرفين يسيئون معاملة موظفيهم بشكل متكرر، ثم يحاولون التلاعب بالانطباعات لتعويض سلوكهم السيئ.
ماذا يحدث عندما يحاول القائد «التكفير» عن سلوك مسيء سابق عبر التصرف فجأة بشكل أخلاقي؟ وهل يجب على الموظفين أن يكونوا هم الضحايا لهذا السلوك كي يشعروا بآثاره السلبية؟
تأثير القيادة المتناقضة
ومن خلال دراسة نُشرت مؤخراً في مجلة«علم النفس التطبيقي»، سعى باحثون للإجابة عن هذه الأسئلة. وتضمنت الدراسة عينات عدة من الموظفين بدوام كامل في كلٍّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وفي البداية، قام الباحثون بمسح آراء 222 موظفاً و66 مشرفاً للحصول على رؤى حول القيادة في بيئات العمل. وركزت الدراسة على نوعين متناقضين من السلوك القيادي: القيادة الأخلاقية والإشراف التعسفي. بالإضافة إلى ذلك، أجرى الباحثون تجارب شملت 400 شخص، وقدموا لهم سيناريوهات حول مديرين يظهرون سلوكاً متقلباً بين القيادة الأخلاقية والتسلطية، وسألوهم عن ردود أفعالهم.
أظهرت نتائج الدراسة أن الموظفين الذين يتعرضون لهذا النوع من القيادة المتناقضة ينتهي بهم الأمر في حالة أسوأ، سواء على مستوى رفاههم العاطفي أو أدائهم الوظيفي، مقارنة بمن يتعرضون للإساءة بشكل مستمر.
تأثير قيادة «جيكل وهايد»
وتشير قيادة «جيكل وهايد» إلى نمط قيادي يتسم بالتناقض الشديد، حيث يتنقل القائد بين سلوك إيجابي وأخلاقي وبين سلوك مسيء وتعسفي. وهذا النوع من القيادة يخلق بيئة عمل غير مستقرة، حيث لا يعرف الموظفون أي نسخة من قائدهم سيواجهون في كل يوم، ما يسبب لهم ضغوطاً نفسية واستنزافاً عاطفياً.
والمصطلح مستوحى من رواية «الحالة الغريبة للدكتور جيكل والسيد هايد» (The Strange Case of Dr. Jekyll and Mr. Hyde) التي كتبها المؤلف الاسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون في عام 1886. وتدور الرواية حول الدكتور هنري جيكل، وهو طبيب يحاول قمع جانبه المظلم باستخدام عقار كيميائي، لكنه يتحول إلى شخصية شريرة تدعى السيد إدوارد هايد. مع مرور الوقت، يفقد الدكتور جيكل السيطرة على هايد، الذي يصبح أكثر عدوانية وخطورة.
ولإعطاء مثال واقعي، يمكننا النظر إلى ستيف جوبز، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة «أبل» حتى وفاته عام 2011. وعلى الرغم من كونه أيقونة في مجال التكنولوجيا، فقد كان معروفاً بتأرجحه بين القيادة التحفيزية والسلوك الاستبدادي أثناء تعامله مع الموظفين.
عندما لم يكن الموظفون يلبون معاييره العالية، كان جوبز يُعرف بنوبات غضبه الحادة، حيث يقتحم الاجتماعات ويوبخ الفرق المسؤولة عن الإخفاقات. ومع ذلك، في أوقات أخرى، كان يُظهر إيماناً قوياً بقدرات موظفيه، معبِّراً عن ثقته الكبيرة بهم ودافعاً إياهم إلى تجاوز توقعاتهم الخاصة.
وهذا النوع من القيادة غير المتوقعة يضع الموظفين في حالة من القلق العاطفي، متسائلين: «أي نسخة من مديري سأقابل اليوم؟ هل سيستمر هذا اللطف، أم أنه مجرد مقدمة لانفجار جديد؟» من غير المفاجئ أن هذا يؤثر سلباً في الإنتاجية.
الموظفون يقدّرون الاستقرار والتوقعات الواضحة في بيئة العمل. والقائد الذي يتنقل بين النقد القاسي والثناء الدافئ يضع فريقه على أفعوانية عاطفية مرهقة. وعندما يرى الموظفون أن مشرفهم غير متوقع، فإنهم يعانون ضغطاً نفسياً واستنزافاً عاطفياً يؤثران سلباً في أدائهم المهني ورغبتهم في مشاركة أفكارهم.
3 طرق لكسر الدورة السامة
لحسن الحظ، هناك طرق يمكن من خلالها كسر هذه الدورة السامة. في ما يلي ثلاث خطوات يمكن لكل مؤسسة اتخاذها:
1 - إدارة التوتر دون سلوك مسيء
إن البيئات ذات الضغط العالي أصبحت شائعة هذه الأيام، لكن هذا لا يعني أن سلوك القادة يجب أن يكون عدائياً. يمكن أن تساعد برامج الذكاء العاطفي وتدريب مهارات حل النزاعات القادة على التعامل مع التحديات الشخصية والمهنية بطريقة بنّاءة.
2 - معالجة السلوك التعسفي بشكل مباشر
عند حدوث سلوك تعسفي، لا يكفي تجاهله أو مطالبة القائد ب«أن يكون ألطف في المرة القادمة». بل يجب اتخاذ تدابير أكثر صرامة مثل التدريب الفردي، أو تقديم الاستشارات، أو فرض عقوبات رسمية لضمان حدوث تغيير حقيقي.
3 - تعزيز ثقافة الثقة والمساءلة
يمكن أن تكون أدوات مثل تقارير التغذية الراجعة الشاملة، التي تتضمن آراء من المشرفين، والزملاء، والمرؤوسين، مفيدة لمساعدة القادة على فهم سلوكهم بشكل أعمق. كما يمكن استخدامها ليس فقط لأغراض التطوير، ولكن أيضاً لزيادة مستوى المساءلة.
القيادة المتسقة مفتاح النجاح
إن القادة العظماء يدركون قوة الثقة وأهمية أن يكونوا قدوة حسنة. ويريد الموظفون قادة يمكنهم الاعتماد عليهم، وليس أشخاصاً يتركونهم في حالة من الحيرة والشك. لذلك، يجب أن يحذر القادة من استخدام السلوك الأخلاقي كطريقة سريعة لتعويض أخطاء الماضي.
0 تعليق