شرع الله تعالى الزواج ليكون سكناً ومودة ورحمة بين الرجل والمرأة، ولكن في بعض الأحيان قد تستحيل العشرة بين الزوجين، ويصبح الطلاق هو الحل الوحيد لتجنب المزيد من الأذى النفسي أو الجسدي. في مثل هذه الحالات، يجب أن يتم الانفصال بمودة واحترام، خاصة إذا كان بينهما أولاد، لأن هؤلاء الأطفال هم الحلقة الأضعف في هذه العلاقة، ويتأثرون تأثيراً بالغاً بطريقة تعامل الوالدين بعد الانفصال..فالطلاق في الإسلام لا يعني القطيعة أو العداء، بل يجب أن يتم بأسلوب حضاري يحفظ كرامة الطرفين، ويحمي نفسية الأطفال من الانهيار. قال الله تعالى: «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ»، «البقرة: 229»، وهذا يؤكد أن الاحترام والمودة يجب أن يظلا حاضرين حتى عند الانفصال. إن هذا التوجيه الإلهي يرسخ مبدأ أن الطلاق لا ينبغي أن يتحول إلى صراع أو انتقام، ومن المؤسف أن يُحرَم الأب من رؤية أبنائه، وأن تستخدم الأم الأطفال كسلاح لإيذاء طليقها، أو كوسيلة ضغط عليه. فالأب له دور محوري في تربية الأبناء وتنشئتهم، وقد أثبتت الدراسات النفسية أن الأطفال الذين ينشأون دون وجود أب في حياتهم قد يعانون من مشاكل في الثقة بالنفس، واضطرابات في السلوك، وضعف في الأداء الأكاديمي والاجتماعي.
وقد شدد الإسلام على أهمية دور الأب في تربية الأبناء، وضرورة بقائه قريبًا منهم حتى بعد الطلاق. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» [متفق عليه]. وهذا الحديث يشمل الأب في مسؤوليته التربوية، فلا تسقط عنه هذه المسؤولية بمجرد الطلاق. كما أن حرمان الأب من أولاده يُعد ظلماً، والله تعالى يقول: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى»، «المائدة: 8»، فحتى في حال وجود خصومة بين الزوجين، يجب أن يسود العدل، ولا يجوز أن يُظلم أحد الطرفين، أو يُستخدم الأبناء في النزاع. ومن المهم أن نغرس في الأبناء صورة إيجابية عن كلا الوالدين، حتى في حالة الطلاق، لأن تشويه صورة الأب وحرمانه من التفاعل معهم وممارسة دوره الطبيعي كوالد. هذا الحرمان لا يُعد ظلماً للرجل فقط، بل هو ضرر بالغ يقع على الأبناء أنفسهم، ويؤثر في توازنهم النفسي والعاطفي والاجتماعي. فالأب ليس مجرد مصدر للنفقة، بل هو أحد الأعمدة الأساسية في بناء شخصية فالأب مسؤول عن تربية أبنائه حتى لو انتهت العلاقة الزوجية. كما أن الشريعة الإسلامية لم تُجز للأم، ولا لغيرها، أن تمنع الطفل من رؤية أبيه، ما لم يكن في ذلك خطر حقيقي يهدد حياة الطفل أو سلامته.
مخاطر حرمان الأبناء من والدهم بعد الطلاق كثيرة وخطيرة، منها:- اضطرابات نفسية وعاطفية: يشعر الطفل بالنبذ أو النقص عندما يُحرم من أحد والديه، ويتساءل عن سبب الغياب، مما قد يولد داخله مشاعر غضب أو حزن عميق.- تدهور الأداء الدراسي: كثير من الدراسات تشير إلى أن الأطفال المحرومين من آبائهم يعانون من ضعف التركيز والتحصيل الدراسي، بسبب غياب الاستقرار الأسري والدعم العاطفي.- سلوكيات عدوانية أو انطوائية: بعض الأطفال يتحولون إلى سلوك عدواني كرد فعل على غياب الأب، بينما ينطوي آخرون ويصابون بالاكتئاب، مما يصعب عملية دمجهم في المجتمع لاحقاً. فقدان القدوة الذكورية: خاصة لدى الأبناء الذكور، حيث يفقد الطفل الصورة الذكورية النموذجية التي يتعلم منها كيفية التعامل مع الحياة، وقد يبحث عنها في بيئات غير آمنة أو غير سوية.
من جهة أخرى، فإن حرمان الأب من رؤية أبنائه يؤثر عليه نفسيًا أيضًا. فالكثير من الآباء يعانون من الاكتئاب، والإحساس بالعجز أو الفقد، حين يُمنعون من ممارسة دورهم الأبوي. كما أن العلاقة المتوترة بينه وبين أبنائه؛ بسبب الانقطاع قد تستمر حتى بعد أن يكبر الأبناء، مما يولد فجوة يصعب رأبها.
إن الطلاق لا يجب أن يكون حرباً نفسية، بل انتقالاً من مرحلة إلى أخرى بحكمة ورحمة. والطفل لا ذنب له في خلافات الكبار، ومن حقه أن ينشأ في بيئة تحترم حاجته للأب والأم معاً، حتى وإن لم يجتمعا تحت سقف واحد. فالأب، برؤيته، ونصحه، وحضوره، يزرع الأمان في نفس ابنه، ويُسهم في بناء جيلٍ متوازن سوي.
0 تعليق