حين يبتسم الآباء للخطر!

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عثمان عادل العباسي

في كل بيت بحريني مشاهد مألوفة تتكرر دائماً: أب يقفز فزعاً ليبعد طفله عن النار قبل أن تلمسه، وأم تسرع بخطوات قلقة لتسحب من يد صغيرتها سكيناً حادةً كادت تؤذيها، ثم لا يتوقفان عن إسداء النصائح والتحذيرات. هذه المشاهد اليومية، التي نعبّر بها عن عمق محبتنا وحرصنا الشديد على أبنائنا، أصبحت جزءاً من عاداتنا التي لا نقاش حولها.

هذه المشاهد التي تعبّر عن الحب والحرص، نراها تتكرر كل يوم بعفوية جميلة بين جدران منازلنا، الآباء لا يتهاونون أبداً في حماية أبنائهم من أخطارٍ واضحة ومباشرة، لأن واجبهم كأولياء أمور أن يراقبوا، وينصحوا، ويحموا.

لكن دعونا نتوقف قليلاً لنرى مشهداً مختلفاً داخل البيت نفسه: حين يدخل الأبوان غرفة أطفالهم، ويجدونهم هادئين، جالسين بهدوء مع أجهزة الهواتف في أيديهم. هنا، لا أحد يهرع لإيقاف شيء، بل ينظر الأب إلى الأم بابتسامة رضا، فترد عليه الأم بابتسامة مشابهة، ويشعر الاثنان براحة عميقة: «الحمد لله، الأطفال بخير، مشغولون وهادئون مع هواتفهم الذكية!».

المفارقة الصادمة هي أننا في اللحظة التي نهرب فيها من خطر النار أو السكين، لا نرى النار الأكبر التي تُشعلها هذه الهواتف في عقول أطفالنا. نحنُ لا ندرك أن ما يُشاهدونه خلف هذه الشاشات، قد يكون أكثر خطورة من الأشياء التي نهرع لإبعادها عنهم. فكم من طفلٍ فقد براءته بسبب فيديو عشوائي شاهده دون قصد، وكم من فتاةٍ تعرّفت على غرباء يخوضون معها أحاديث مشبوهة في عوالم الإنترنت المفتوحة على مصراعيها.

إن خوفنا الشديد على أطفالنا جعلنا نغلق عليهم أبواب البيت، خشية لقاء الغرباء في الشارع، بينما تناسينا أننا فتحنا نوافذ رقمية واسعة يدخل منها الغرباء أنفسهم مباشرة إلى غرف أبنائنا، دون إذن أو استئذان.

أليس من الغريب أننا نتردد في ترك أطفالنا يخرجون للعب في الفريج مثل أيامنا القديمة، خوفاً عليهم من خطرٍ محتمل، ثم بكل بساطة نسلّمهم أجهزةً صغيرة قد تحمل لهم أخطاراً لا يمكن لأعيننا أن تراها؟نعم، من واجبنا حماية أطفالنا من النار والسكين، لكن مسؤوليتنا اليوم أكبر من ذلك بكثير؛ إنها مسؤولية حماية عقولهم وأرواحهم أيضاً من مخاطر رقمية صامتة قد تسرق منهم طفولتهم وبراءتهم.ربما حان الوقت لنقفز مرة أخرى، كما كنا نقفز لإنقاذهم من النار والسكين، لننقذهم من نيران رقمية أشعلناها بأنفسنا، دون أن ندري. لنفتح أعيننا جيداً، ونراقب تلك الشاشات، ونوجّههم بحبّ ووعي، كما كنا نفعل دائماً في زمنٍ جميل، لم تكن فيه الشاشة هي من تربي أطفالنا.

* خبير تقني

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق