القاتل الأكبر لحرية الصحافة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...


احتفل العالم قبل أيام باليوم العالمي لحرية الصحافة، في ظل تحديات كبيرة تواجهها هذه الحرية، خاصة مع تراجعها في كثير من دول العالم وعلى رأسها بعض الدول العربية، بل والغربية، ومنها الولايات المتحدة الأميركية، حسب تقرير "مراسلون بلا حدود"  مع ذلك، فإن هناك انتهاكات خطيرة لحرية الإعلام تأتي من فاعل غير مجهول، ولا علاقة له بالدول، بل بشركات تكنولوجية كبرى، تتحكم بمدى وشكل انتشار الـمحتوى الرقمي، وتنوعه لم ينتبه له بعض الناس، بسبب انخراطهم في عمليات صناعة الـمحتوى الرقمي، وانشغالهم الكبير في اللهاث وراء متابعة ما يبثه، وينشره ليل نهار.اضافة اعلان
الخوارزميات ببساطة هي برمجيات ترافق منصات التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث، في الأولى تعمل على تصنيف الـمحتوى، ثم إصدار قرار بكيفية توزيعه على متابعي صفحة معينة، أو أصدقاء حساب ما، وعدد الحسابات الأخرى التي سيظهر عليها هذا الـمنشور، وهناك معايير عديدة لهذه الخوارزميات، تعتمد في غالبيتها على التفاعل، وإثارة الجدل، وتقديم محتوى تافه وسطحي، إضافة إلى مجموعة من معايير تقييد الـمحتوى قائم على مصالح الدول الكبرى، دون مراعاة حقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في الوصول العادل إلى الـمعرفة بغض النظر عن الأصول، والـمنابت، والجنس، ولون البشرة، والدين، وغيرها من الـمعايير الظالمة التي تلعن ليل نهار، وتمارس بالمقدار نفسه الذي تلعن فيه.
أول طعنة في ظهر حرية الصحافة، وضمانات سلاسة وصول الـمحتوى للجميع، هو التحكم الذي تقوم به هذه الخوارزميات، وهذا هدفه الأول تحقيق أرباح خيالية للشركات مالكة الـمنصات، ولنعطي مثالًا واحدًا على هذه الأرباح فقد وصلت أرباح Meta (فيسبوك، إنستغرام، واتساب) في (الربع الأول من هذا العام 2025): 42.31 مليار دولار، وبزيادة سنوية تصل إلى (+16 %)، لذلك فإن اللهاث وراء الأرباح يجعل هذه الـمنصات تحدد ما يجب أن ينتشر ولا ما لا ينتشر، وقد فضح العدوان على غزة، والانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، والابادة الجماعية غير المسبوقة ضد الشعب الفلسطيني هذا الأمر، فقد تبين أن هناك تقييدا للمحتوى المؤيد لفلسطين – الضحية- مقابل عدم وجود تقييد – في غالب الأحيان – للمحتوى المؤيد للجلاد الإسرائيلي. 
وهذا الأمر ينطبق على قضايا عالمية كثيرة، ومنها الحرب الاوكرانية الروسية، وغيرها من القضايا التي يتم الانحياز فيها لمصلحة الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، والمنصة التي لا تراعي هذه المصالح تتعرض لهجوم كبير وتهديد بالحظر مثل منصك (TikTok).
وللتدليل على ذلك ما جاء في تقرير منظمة AlgorithmWatch، وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بمراقبة تأثير الخوارزميات على المجتمع، أصدرت تقريرًا بعنوان "كيفية تعريف المخاطر للمنصات على الديمقراطية"  للدكتور ميشيل لوي (Making sense of the Digital Services Act How to define platforms' systemic risks to democracy
 by Dr. Michele Loi)، حيث تناول التقرير تأثير الخوارزميات على حرية الصحافة وتعددية وسائل الإعلام في العام 2023 ومما جاء فيه: "في غياب الإشراف، قد تصبح المنصات ملاذًا لخطاب الكراهية والمعلومات المضللة والنشاطات غير القانونية؛ لكن في المقابل، فإن الإفراط في الإشراف – لا سيما عندما يتم عبر الخوارزميات – يعرض الأصوات الناقدة أو المعارضة لخطر الإقصاء."
لنذهب إلى الخطورة الأخرى الأكبر التي تسببها "إمبراطورية الخوارزميات الديكتاتورية" وهي توزيع الـمحتوى بناء على التفضيلات مما يخلق ما يسمى بـ "غرفة صدى" (Echo Chamber)، حيث تسمع فقط الآراء التي تؤيدك وتتكرر نفس الأفكار، وهذا يجعل كل شخص في العالم يتلقى فيضا من الـمعلومات، والمحتويات التي تتوافق مع آرائه السياسية، والاقتصادية، لأن "ذكاء" هذه البرمجيات، يقوم على بناء "خريطة شخصية" لكل إنسان، وهذا مخالف لكل القيم والمبادئ العالمية القائمة على حرية انتقال الـمعلومات، وإعطاء الفرص لانتشار الأفكار المختلفة، مما يؤدي إلى تضييق الأفق الفكري، وتعزيز الانحياز الشخصي، وفوق ذلك إضعاف الحوار العام والتفاهم الـمجتمعي، ناهيك عن التأثير على أولويات الأخبار المنشورة في الصحافة، واستبعاد القضايا العادلة التي لا تجد تفاعلاً من الناس، ويؤدي ذلك إلى التضييق على حرية الصحافة، ونشر المضمون، وتسطيح الثقافة، والتركيز على القضايا التي تجد تفاعلاً، وهذا يخالف أحد أهم مبادئ الصحافة العالمية، وهو تبني قضايا المهمشين، والاقليات، والمظلومين. 
تعاني الصحافة من تراجع في غالبية دول العالم، بسبب الرقابة الحكومية الصارمة، والقوانين غير الصديقة لحريات الصحافة، ومع دخول لاعب جديد، وخطير، وغير ديمقراطي مثل الخوارزميات، أصبحت حرية الصحافة في مهب الريح، وتخضع لأهواء شركات عالمية رأسمالية لا تعمل وفق ضوابط واضحة، تراعي المهنية الإعلامية، ولا التقاليد التي استقرت عليها وسائل الإعلام العالمية، وهذا يعني مزيدًا من التجهيل، وصناعة التفاهة، والاحتكار، والتحيز، والابتعاد عن القضايا الحقيقية التي تستحق أن ترتب في قمة أجندات الإعلام، والـمستقبل للآن لا يعطي مؤشرات إيجابية، فهل ستعمل دول العالم على وضع ضوابط واضحة لهذه الشركات قائمة على المهنية الإعلامية والعدل الـمطلق؟ ربما!
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق