loading ad...
يواصل ترامب تبني الموقف الروسي ضد أوكرانيا، محملاً زيلينسكي المسؤولية ومهدداً بوقف المساعدات، في حين أن انسحابه من مفاوضات السلام المزعومة ودعمه العسكري لأوكرانيا قد يحفظ له بعض الكرامة أمام التاريخ.اضافة اعلان
***
وفاء لعادته، عاود الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحميل فولوديمير زيلينسكي مسؤولية مآسيه، متماثلاً في الوقت ذاته مع موقف فلاديمير بوتين، بعدما كرر الرئيس الأوكراني تأكيده استحالة التنازل يوماً عن شبه جزيرة القرم لمصلحة روسيا.
وكان الرئيس الأميركي مصيباً عندما قال ضمن منشوره الأخير عبر وسائل التواصل الاجتماعي إنه "ليس هناك ما يستحق النقاش" في موضوع القرم، إنما ليس للأسباب التي يسردها في خطابه الانفعالي المعتاد.
في الواقع، "لن يعترف زيلينسكي قانونياً بالاحتلال الروسي للقرم"، إنما ليس بسبب تشبث الرئيس الأوكراني بموقفه، بل لأن الدستور يمنعه من ذلك.
غابت هذه التفاصيل، على ما يبدو، عن ترامب الذي دفعت قراراته العلماء الأميركيين إلى التحذير من أزمة دستورية محتملة، بعد أن أصدر عدداً قياسياً من الأوامر التنفيذية خلال أول 100 يوم من توليه منصبه.
من وجهة النظر الأوكرانية، لا يهم ما يفعله الرئيس الأميركي داخل حدود بلاده. أما ما يفعله تجاه أوكرانيا، فقد يكون بمثابة كارثة من منظور استراتيجي.
في المرة السابقة التي قام خلالها ترامب بمهاجمة زيلينسكي، عمد أيضاً إلى تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وقطع عنها لاحقاً تدفق المعلومات الاستخباراتية الفورية. وجاء هذا كله تزامناً مع حملة روسية ناجحة إلى حد كبير لإخراج القوات الأوكرانية المتمركزة في منطقة كورسك الروسية.
في سياق متصل، قال ترامب إن إصرار زيلينسكي على التمسك بالقرم "يلحق ضرراً فادحاً بمفاوضات السلام مع روسيا، لا سيما أن القرم ضاعت من أيدي الأوكرانيين منذ أعوام، وتحديداً في عهد باراك أوباما، ولم تعد أصلاً موضوع نقاش".
غير أن هذا الموضوع قابل فعلياً للنقاش؛ ذلك أن الغزو الروسي والضم غير المشروع لشبه جزيرة القرم يشكلان انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وما تزال الولايات المتحدة تعتبرهما كذلك، شأنها شأن معظم دول العالم.
تساءل ترامب قائلاً: "لم يطلب أحد من زيلينسكي الاعتراف بشبه جزيرة القرم أرضاً روسية، ولكن إذا كان يريد استعادتها فعلاً فلماذا لم يقاتلوا من أجلها منذ 11 عاماً، عندما ضمتها روسيا إليها من دون إطلاق رصاصة واحدة؟".
لكن زيلينسكي لم يكن في ذلك الحين رئيساً للبلاد، وكان طابور خامس قوي وفاعل قد تغلغل في النسيج السياسي والأمني للبلاد، وقوض كل جهد دفاعي. وبذلك، كان يحق لكييف آنذاك المطالبة بضمانات أمنية من الولايات المتحدة وبريطانيا بموجب مذكرة بودابست التي جرى التوقيع عليها مقابل تخليها عن ترسانتها النووية الضخمة. لكن البلدين تهربا من التزاماتهما، بل ورفضا، على مدى أعوام، إرسال أسلحة فتاكة لمساعدة أوكرانيا.
على الرغم من ذلك، نجحت أوكرانيا في تشكيل جيش، وحاربت القوات المدعومة من روسيا، وكذلك القوات الغازية في أرجاء دونباس، قبل أن تتجمد معظم خطوط الجبهة الأمامية في العام 2015.
لكن هذا كله ليس مهماً في نظر ترامب، كونه يعتبر شبه جزيرة القرم والقسم الأكبر من شرق أوكرانيا أراضي روسية بطبيعتها. ويعزى ذلك في جزء منه إلى أنها أراض محتلة، وفي جزء آخر إلى أن روسيا تقول إنها تريدها.
وأضاف ترامب: "تضم تلك المنطقة [القرم] منذ أعوام، حتى قبل عملية ’التسليم في عهد أوباما‘، قواعد رئيسة للغواصات الروسية". وبالاعتماد على هذا المنطق، قد يعني الأمر أن وارسو وبراغ وتالين هي أيضاً أراض روسية، وهو فعلياً ما يعتقده بوتين.
ويرى ترامب "أن تصريحات زيلينسكي الاستفزازية هي التي تجعل من الأصعب التوصل إلى تسوية تضع حداً لهذه الحرب"، مضيفاً أن [الرئيس الأوكراني] "ليس لديه ما يفاخر به! فالوضع في أوكرانيا مأسوي، وبالتالي بإمكانه أن يحقق السلام أو أن يواصل الحرب لثلاثة أعوام إضافية، قبل أن يخسر البلاد برمتها".
من وجهة نظر عسكرية، تظهر أوكرانيا قدرات أكبر من تلك التي تمتعت بها عندما حرمها ترامب من المساعدات العسكرية ومن دفق البيانات الاستخباراتية قبل شهرين. أما السبب، فهو أن أوروبا، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، تتأهب فعلياً للحظة التي يفقد فيها ترامب صوابه من جديد. ومن ثم، فإن جهات واهبة أكبر من الولايات المتحدة تتطلع اليوم إلى أوكرانيا، وتسعى إلى سد أي ثغرات مستقبلية في الاستخبارات والاتصالات والأسلحة.
أما روسيا، فتخسر في المقابل زخمها العسكري ميدانياً. واليوم، يقوم الكرملين بإرسال كتائب عشوائية ضالة من مرتزقة أفارقة وصينيين إلى جبهة حرب المسيرات، التي تظهر فيها أوكرانيا تفوقاً. وبالتالي، بينت الأحداث أن ترامب كان مخطئاً عندما قال عن زيلينسكي إنه رجل "لا يملك أوراقاً رابحة". وبذلك، فإن وقفاً لإطلاق النار اليوم سيكون لمصلحة روسيا.
وتابع ترامب: "ليس لي أي شأن بروسيا، لكن لي شأن بإنقاذ حياة نحو 5.000 جندي روسي وأوكراني يموتون أسبوعياً من دون أي مبرر". ولكن لو كان هذا رأيه فعلاً لكان حري به أن يدعم أوكرانيا بكل ما يتاح له من وسائل لإنهاء الحرب، من خلال تحطيم الآلة العسكرية الروسية، في سبيل إنقاذ أرواح الأوكرانيين وكذلك الروس والأوروبيين.
لكن ترامب تبنى الشروط الروسية وكأنها شروطه في كل جانب من جوانب عملية السلام المزعومة.
وواقع الحال أن أوكرانيا تعرف ذلك، وأوروبا تعرف ذلك. وبالتالي، فإن خياره الأفضل اليوم يتمثل في الانسحاب من المحادثات العقيمة باسم الكرملين، ومواصلة إمداد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية. وعند ذلك، سيتسنى له، على الأقل، أن يقول "لقد حاولت"، وسيكون التاريخ في هذه الحالة أكثر لطفاً تجاه محاولاته إنهاء ما يسميه "الفوضى الكاملة".
*سام كيلي: محرر الشؤون الدولية في صحيفة "الإندبندنت".
0 تعليق