يبدو أننا وصلنا إلى حالة الجنون بعد مرحلة الإدمان، وكل ذلك بفضل مواقع وتطبيقات الإعلام الرقمي أو الإعلام الجديد أو بمسماه الشائع مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا. نعم مرحلة الجنون، فعندما تجد الزوج يصور مقالب ضد زوجته، والأم تنقل ما يحدث في منزلها بصور مباشرة أمام الملأ، والأصدقاء يصورون كافة المواقف في تجمعاتهم ويصطنعونها اصطناعاً، والفتيات يرقصن على الهواء مباشرة (اللايف)، وينقلون مشترياتهم اليومية من ملابس وعطورات وأدوات تجميل، ناهيك عن بعض الأزواج أو ما يطلق عليه (الكبل) من تصوير يومياتهم المزيفة، وكل ذلك من أجل حفنة من المبالغ النقدية يتكسبونها من وراء تلك المقاطع والفيديوهات.
مهزلة هي ما يحدث في زمننا اليوم، ولا نعلم إلى أين نحن سائرون، بالتأكيد وبلا شك إلى مهازل أكبر خاصة وأن تلك الفئة تحظى بمتابعة العديد من البشر حول العالم، ويحصلون على عبارات الثناء والتأييد عبر التعليقات، بل منا من يقوم بإهدائهم المكافآت النقدية عبر الطرق المخصّصة لذلك في تلك التطبيقات.
هناك ما هو أكبر من تلك التفاهات، حيث بات أولئك الأفراد يعتبرهم المتابعون مصدراً للأخبار، وموقعاً يستمدون منه المعلومات، وذلك مبدأ خطير يجب أن يتم تداركه، كونه سيتحول مرتعاً للإشاعات وبث الأخبار الكاذبة وسيستغلهم البعض -إن لم يتم استغلالهم أصلاً- كمنبر لنشر سمومهم وأجنداتهم الخاصة، وكل ذلك بسبب بطء حراك الإعلام الحصين أو الإعلام الهادف. كنا في الماضي نشجّع وجود قنوات فضائية خاصة حتى أدركنا أن تلك القنوات لها أهداف بعيدة كل البُعد عن العادات والتقاليد، ولها أجندات وأهداف سرّية لم نكن ندركها في حينه، ولكن للأسف لم يعلُ صوتنا المُطالِب بمنعها خاصة في ظل الفضاء المفتوح والمتلهّف للجديد، وما إن فقنا من مأساة القنوات الفضائية الخاصة حتى هلّت علينا تلك المواقع والتطبيقات بسمومها عبر غزو بأسلحة دمار شامل يدخل منازلنا دون أي قدرة منا على مواجهته أو كبح جماحه، والأدهى والأمرّ من ذلك أننا نحن كآباء وأولياء أمور من يقتني تلك الأجهزة لأبنائنا والسبب هو فرض الأمر الواقع.
نحن أمام مأساة يجب أن نواجهها عبر الإعلام الحصيف، الإعلام المسؤول الذي يمرّ الخبر من خلاله عبر العديد من البوابات والمراحل والتدقيق حتى يظهر للعلن، نحتاج إلى جرعات من الثقافة والتنوير وبأسلوب مشوّق يخاطب العامة على قدر عقولهم وبأسلوبهم الذي اعتادوه وصنعته لنا تلك المواقع، نحن بحاجة إلى وقفة نحجّم من خلالها بعض المؤثرين وصُنّاع المحتوى الهابط ومن يطلقون على أنفسهم لقب إعلاميين وهم في الأساس ليسوا سوى مهرّجين منحناهم نحن بأنفسنا مسؤولية تربية أبنائنا عبر سماحنا لهم بالولوج إلى تلك التطبيقات.
0 تعليق