قرأت منذ بضعة أيام مقالاً عن العطب الذي يصيب النفس البشرية من، وهن يصل بها إلى حالة من عدم الاتزان النفسي وفقد الشغف والرغبة في السعي سواء للعمل أو للعلم، ووصف هذه الحالة بـ«خلل في نظام الروح» شعرت أن هذا المصطلح الأصح لوصف الشخص الذي كنت تراه مقبلاً على الحياة، تلمع عيناه من شدة الطموح إلى شخص لديه بلادة وخلل فيما خلقه الله، وغرسه في كل مخلوق وهو الرغبة في التغيير للأفضل وحب النمو؟
وإذا كانت الهمة هي المحرك الأساسي لتحقيق الأهداف والطموحات، وهي القوة الداخلية التي تدفع الإنسان إلى العمل والاجتهاد في سبيل تحقيق ذاته وبناء مستقبله.
فكيف يتحول الإنسان من شعلة للنشاط إلى كائن يؤدي ما عليه من واجبات بدافع من ضميره، وتحمله للمسؤولية لا حباً فيما يفعل؟
بالتأكيد أن كثيراً من الناس يمرون بفترات يشعرون فيها بضعف الهمة، وانعدام الدافع للسعي وطلب الرزق، مما ينعكس سلباً على حياتهم النفسية والاجتماعية والمادية. وتتنوع أسباب ضعف الهمة، وهي غالباً ما تكون مزيجاً من العوامل النفسية والاجتماعية والدينية.من أبرز الأسباب النفسية لضعف الهمة الشعور بالإحباط واليأس نتيجة الفشل المتكرر أو التعرّض لخيبات أمل متكررة.
فعندما يواجه الإنسان عقبات دون أن يجد دعماً أو نتائج ملموسة لجهوده، قد يبدأ بفقدان ثقته بنفسه، ويستسلم لحالة من اللامبالاة. كذلك تؤثر المقارنات السلبية بالآخرين، خصوصاً في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يرى البعض نجاح الآخرين، فيظن أنهم أفضل حظاً أو أكثر قدرة، مما يزرع الشعور بالعجز والدونية.
أما من الجانب الاجتماعي، فإن البيئة المحيطة تلعب دوراً محورياً. فالفقر، والبطالة، وضغوط الأسرة، وضعف شبكات الدعم الاجتماعي، كلها عوامل تسهم في إنهاك الإنسان نفسياً وتعطيل طاقته على السعي. إضافة إلى ذلك، فإن بعض المجتمعات قد ترسّخ ثقافة الاتكالية، أو تقلل من قيمة العمل، مما يثبط الهمم، خاصة عند الشباب الذين يحتاجون إلى تشجيع ومساندة في بدايات حياتهم العملية.
ومن الجانب الديني والروحي، فإن ضعف الصلة بالله وقلة التوكل عليه قد يؤديان إلى انعدام الطمأنينة في القلب، وفقدان الشعور بالهدف والمعنى في السعي. فالإسلام يحثّ على العمل، ويجعل السعي في طلب الرزق عبادة، كما في قوله تعالى: «فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور». لكن عندما يغيب هذا الفهم، قد يقع الإنسان في حالة من القعود والكسل، ظناً أن الرزق سيأتي دون جهد.
كذلك، من الأسباب المهمة ضعف التخطيط وفقدان الرؤية الواضحة للمستقبل. فعندما لا يحدد الإنسان أهدافه، ولا يعرف كيف يحققها، فإن العمل يصبح مجرد جهد عشوائي لا طعم له، مما يضعف الحافز على الاستمرار. وقد يكون الخوف من الفشل أو رفض التغيير سبباً آخر يجعله يفضل البقاء في منطقة الراحة بدل المجازفة.
إن ضعف الهمة والتوقف عن السعي ليسا نهاية الطريق، بل هما حالة مؤقتة يمكن تجاوزها بالإرادة والعزيمة، وبالدعم النفسي والاجتماعي، والعودة إلى الله والتوكل عليه. كما أن تعزيز الثقة بالنفس، وتحديد الأهداف الواقعية، والابتعاد عن مقارنة النفس بالآخرين، كلها أمور تساهم في إعادة إشعال جذوة الحماس في القلب، واستئناف السير نحو طلب الرزق وتحقيق النجاح.
0 تعليق