هذا واحد من الأسئلة التي قد تكون مشتركة لدى العديد من شركات المساهمة العامة التي تحصل على عقود عديدة من الحكومة والشركات الحكومية وشركات القطاع الخاص، غير أن هذه العقود لا تنعكس على أدائها المالي، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول أسباب ذلك، كما حدث قبل ذلك مع شركة الحسن الهندسية التي هي الآن قيد التصفية بعد موافقة الجمعية العامة غير العادية التي عقدت في مايو من العام الماضي على حل الشركة وتصفيتها اختياريا وذلك بعد تآكل رأسمال الشركة وارتفاع الخسائر المتراكمة التي بلغت بنهاية مارس من عام 2024 أكثر من 77 مليون ريال عماني مقابل رأسمال يبلغ 7.5 مليون ريال عماني.
ولعل قرار بورصة مسقط في الأيام الماضية بنقل إدراج شركة جلفار للهندسة والمقاولات من السوق الموازية إلى سوق المتابعة بسبب عدم استيفاء الشركة معيار حقوق المساهمين يعيد الحديث مرة أخرى عن شركة جلفار، ومن المتوقع أن يؤدي هذا القرار الذي بدأ تطبيقه في 8 مايو الجاري إلى تغيير نظرة المستثمرين إلى الشركة التي أصبح الاستثمار فيها أكثر مخاطرة بعد تآكل جزء من رأسمالها وتراجع حقوق المساهمين فيها.
يبلغ رأسمال شركة جلفار للهندسة والمقاولات حوالي 29.1 مليون ريال عماني، غير أن حقوق المساهمين في الشركة تراجعت بنهاية ديسمبر الماضي إلى 24.8 مليون ريال عماني للشركة الأم وإلى 19.4 مليون ريال عُماني للمجموعة بما يعني تآكل جزء من رأسمال الشركة، وهذا ناتج عن ارتفاع الخسائر المتراكمة التي بلغت بنهاية ديسمبر الماضي 11.5 مليون ريال عماني للمجموعة و5.2 مليون ريال عماني للشركة الأم.
تشير الخسائر المتراكمة إلى أن شركة جلفار تواجه مشكلة رئيسية تتمثل في عدم استقرار الأداء المالي على الرغم من المناقصات والعقود التي تحصل عليها من الحكومة أو الشركات، وقد سجلت الشركة خلال العام الماضي خسائر تقدر بـ3.6 مليون ريال عماني للشركة الأم و3.9 مليون ريال عماني للمجموعة مقابل أرباح في عام 2023 بلغت 574 ألف ريال عماني للشركة الأم و128 ألف ريال عماني للمجموعة، وقالت الشركة في تقريرها إلى المساهمين إن سجل دفتر طلبات الشركة سجل في عام 2024 نموا بنسبة 70 بالمائة ليصعد إلى مستوى قياسي عند نحو مليار ريال عماني من العقود قيد التنفيذ، وأرجعت الشركة أسباب الخسائر إلى «عوامل السوق الخارجية وضغوط التكاليف وبعض التحديات التشغيلية»، غير أن المشهد لم يتحسن في الربع الأول من العام الجاري، حيث سجلت الشركة الأم خسائر بلغت 670 ألف ريال عماني مقابل أرباح صافية بلغت 446 ألف ريال عماني في الربع الأول من عام 2024.
ولعل أحد أبرز الأسئلة التي يثيرها المستثمرون من حين لآخر هو: كيف يمكن لشركة لديها محفظة من المناقصات عند نحو مليار ريال عماني تواجه تحديات تشغيلية أو ما شابه ذلك من تحديات؟
عندما نقترب أكثر من شركة جلفار للهندسة والمقاولات نجد أن الشركة لم تقم بتوزيع أرباح على مساهميها منذ عام 2015 عندما قامت بتوزيع أسهم مجانية بنسبة 10 بالمائة، في حين شهد عام 2008 أفضل توزيعات للشركة عندما قامت بتوزيع أرباح نقدية بنسبة 40 بالمائة بما يعادل 40 بيسة لكل سهم، وهذا يعني أن المشكلة التي تواجهها شركة جلفار ليست وليدة اللحظة وإنما تمتد لنحو 10 أعوام عندما توقفت الشركة عن توزيع أرباح على مساهميها، وعلى مدى السنوات الماضية شهد سعر السهم تقلبًا شديدًا بناء على الأداء المالي من جهة والمناقصات التي تحصل عليها الشركة من جهة ثانية، وعلى سبيل المثال فإن سعر السهم أغلق في نهاية عام 2014 على 161 بيسة، إلا أنه تراجع بنهاية عام 2015 إلى 70 بيسة، وخلال العام الماضي صعد السهم إلى 175 بيسة، إلا أنه لم يتمكن من المحافظة على هذا المستوى ليتراجع بنهاية العام الماضي إلى 76 بيسة، وخلال الأسبوع الماضي تراجع السهم بنسبة 14.2 بالمائة من 70 بيسة إلى 60 بيسة.
إن ما تشهده شركة جلفار للهندسة والمقاولات من عدم استقرار أدائها المالي يعد -في نظرنا- مشكلة حقيقية ينبغي إيجاد حل سريع لها؛ لأن ارتفاع الخسائر المتراكمة من سنة إلى أخرى وتراجع حقوق المساهمين في الشركة قد يؤثر مستقبلا على قدرتها على تنفيذ المشروعات التي أُسندت لها كما يؤثر أيضا على العاملين في الشركة، وقد لاحظنا خلال السنوات الأخيرة أن العديد من الشركات التي لم تعمل منذ وقت مبكر على إيجاد حلول للمشاكل والتحديات المالية التي تواجهها اضطرت في النهاية إلى التصفية وبالتالي خسر المستثمرون أموالهم وخسر الموظفون وظائفهم، وهو ما نرى أنه يتطلب تدخلًا سريعًا سواء من مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية أو هيئة الخدمات المالية وبورصة مسقط؛ نظرًا للأهمية الكبيرة التي تمثلها شركة جلفار على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
0 تعليق