غزة - د. حكمت المصري:
منذ الثاني من مارس تمنع إسرائيل دخول أية مساعدات إنسانية لقطاع غزة، واعتمد سكان قطاع غزة على ما أدخل لقطاع غزة خلال وقف إطلاق النار، غالبية المواد الغذائية نفذت، ومخابز الأمم المتحدة أغلقت منذ شهر.
في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، تجلس أم زياد (29) عاماً تحاول جاهدة إشعال نار من بقايا الأثاث الهالك وأمامها قدر صدئ يحتوي على وجبة من حساء العدس لطبخها، من أجل سد رمق الأطفال الذين يصطفون حولها في انتظار الحصول على الطعام بعد أن أغلقت التكية التي كانت توزع الطعام المجاني على النازحين.
تقول أم زياد والحزن يخيم على وجهها: "هذه هي المرة الرابعة في الأسبوع ينام فيها اطفالي ببطون خاوية، بعد أن أصبحنا نعتمد على وجبة طعام واحدة نتيجة نفاد الأطعمة والدقيق من السوق، فيما أصبحت الجيوب خاوية بسبب الغلاء الفادح للسلع وقلة المال، كنا نحصل على الطعام من التكايا ولكن منذ اسبوعين توقف توزيع الطعام بسبب عدم توفر الغذاء واستمرار إغلاق المعابر، أبنائي يعانون من سوء التغذيه، لقد اصبحت أجسادنا نحيله وهزيله بسبب قلة الطعام الصحي".
هذا المشهد ليس استثناءً، بل أصبح القاعدة في غزة حيث تحولت الحياة إلى معادلة مستحيلة، أمام القصف والجوع الناتج عن إغلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي للمعابر منذ الثاني من مارس الماضي، والحرمان من المساعدات الإنسانية التي يعتمد عليها أكثر من 90% من السكان النازحين.
خلال هذه الفترة العصيبة ابتدع سكان قطاع غزة وسائل عديدة لمواجهة الجوع، تمثلت في تخفيض عدد الوجبات وطبخ الأعشاب وأوراق بعض الأشجار، حيث تضطر الأمهات إلى تقديم وجبة إلى وجبتين لأطفالهن على أبعد تقدير خلال 24 ساعة، فيما أن برنامج الغذاء اليومي يتطلب ثلاث وجبات على الأقل.
في ظلّ الأزمات والتصعيد العسكري الحاصل في قطاع غزة، يضطر الآلاف من الأشخاص إلى تبني أنماط عيش قاسية، أبرزها التقشف الإجباري، الذي يعني تقنين استهلاك السلع الأساسية وترشيد الموارد، وخاصّة المياه والغذاء والطاقة.
قالت السيدة إيمان حاتم (38) عاماً إنها لم تستطع أن توفر وجبات منتظمة لأبنائها التسعه بشكل يومى، وذلك بعدما فقدت الأسرة مصدر دخلها بتدمير محل التجميل الذي كانت تعمل فيه بالإضافة إلى فقد منزلها بالكامل، وبعد أن اصبحت تعيش الخيام اضحت تعتمد اعتمادا أساسيا على المساعدات الإنسانية التى تقدم للنازحين ممن تضررت منازلهم.
وأوضحت إيمان أنها تواجه تحدي يومي يتعلق بإنعدام الأغذية في الأسواق وارتفاع أسعارها ان وجدت، فضلا عن شح الدقيق وتوقف المساعدات، مؤكدة أنها كانت تعتمد اعتمادا رئيسيا في إعداد وجبة الطعام الأساسية على التكية قبل اشتداد الازمة الإنسانية واستمرار إغلاق المعابر.
من جانب آخر أكد ابراهيم أحمد، مسؤول احد التكايا التى تقدم الطعام للنازحين في إحدى مخيمات النزوح في شمال قطاع غزة "اعتدت خلال الأشهر الماضية على إعداد المئات من الوجبات الغذائية وطبخ كميات كبيرة من الطعام تكفي لآلاف العائلات، لكن استمرار إغلاق المعابر أجبرني على تقليص الكميات لعدم توفر السلع ".
وقال إبراهيم إن "ما يحصل عليه من المؤسسات الدولية قليل للغاية مقارنة بما كان يحصل عليه والمعابر مفتوحة" وأشار إلى أن ما ينتجه في الوقت الحالي لا يكفي إلا لعدد أقل من ربع المستفيدين من تكيته وأن إغلاق بعض التكايا المجاورة زاد من الضغط على التكية التي يشرف عليها، وأن المئات من السكان يعودون بعد انتظار لوقت طويل دون الحصول على وجبة طعام لعائلاتهم".
وختم حديثه موكدًا أن "إسرائيل تحارب السكان بسلاح الجوع ومنع دخول المساعدات الإنسانية في ظل استمرار إغلاق المعابر امام دخول المساعدات الإنسانية".
وزاد "لقد اضطرت المؤسسات والجمعيات الخيرية إلى تقليص المساعدات والطرود الغذائية التي كانت تقدمها للسكان بين الحين والآخر، بسبب نفاد المخزون لدى الكثير من المؤسسات الدولية".
بدوره قال مدير شبكة المنظمات الأهلية، أمجد الشوا، إن "معظم المنظمات والجمعيات الإنسانية توقفت عن تقديم خدماتها الإغاثية لأكثر من مليوني إنسان من سكان قطاع غزة"، مرجعًا ذلك إلى قرار إسرائيل إغلاق معابر القطاع.
وأوضح الشوا أن "ذلك ينطبق على التكايا الخيرية التي تعتبر المصدر الأول لوجبات الطعام لدى الشريحة الأكبر من سكان القطاع"، مشيرًا إلى أن التكايا تخدم ما يقارب المليوني فلسطيني بمختلف مناطق القطاع.
وأضاف قائلًا "بسبب الحرب فإن جميع سكان القطاع يعتمدون بشكل أساسي على الطرود الغذائية والمساعدات الإنسانية والتكايا الخيرية، وإغلاق المعابر حرمهم من ذلك"، مشددًا على أن استمرار إغلاق المعابر يمثل حكمًا بالموت على آلاف السكان.
وأشار "سنكون أمام كارثة غير مسبوقة في حال لم تتراجع إسرائيل عن قرار إغلاق المعابر، وستمتد هذه الكارثة لمختلف القطاعات خاصة الصحية والبيئية"، مطالبا ضرورة التدخل الدولي من أجل الحيلولة دون ذلك.
وختم الشوا حديثه قائلا " لقد تعمد جيش الإحتلال الإسرائيلي استهداف ( 28 ) تكية خيرية و(37 ) مركزا لتوزيع المساعدات، و(16) مخبزا، عدا عن عشرات الاستهدافات الحربية التي طالت المحال التجارية والأسواق الشعبية اضافة الي تدمير 90% من ابار وشبكات المياه خلال الفترة الماضية ".
ويصف طبيب الأطفال في مستشفى الاندونيسي الدكتور رائد البابا (49) عامًا الوضع الصحي للأطفال بأنه الأسوء على الإطلاق ، هذا ما شاهده من زيارات تأتي بشكل كبير داخل المستشفى ، حيث قال : "في إحدى المرات فقدنا طفلة عمرها سنتان وزنها 5 كيلوغرامات، سبب الوفاة الرسمي: فشل أعضاء متعدد. لكننا نعرف أنها ماتت جوعاً ، الأطفال يتضرعون جوعًا امام اعيننا ، لا نستطيع تقديم الخدمات الطبية اللازمة لعلاجهم بسبب نقص الإمكانيات الطبية وشح المواد الغذائية".
وفي تطور مأساوي جديد توفيت الطفلة جنان صالح سكافي البالغة من العمر اربعة اشهر في مستشفي الرنتيسي في مدينة غزة، نتيجة الجفاف الحاد وسوء التغذية ونقص الحليب والمكملات الغذائية، بما يرفع عدد الوفيات الموثقة جراء المجاعة الى (57) شحصاً، منهم ( 26 ) طفلا، فيما تحذر المصادر الطبية الدولية والمحلية من انهيار المنظمومة الصحية، جراء نفاذ الادوية والمواد الغذائية والوقود وغياب الاحتياجات الاساسية حيث وصل القطاع الى اعتاب مرحلة تفوق التصور لا يمكن تدارك اثارها الوخيمة وتنذر بوفاة الالاف من الاطفال والمرضى حال لم يتم فتح المعابر والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية والاغاثية والادوية والمستلزمات والمعدات الطبية بشكل عاجل، حيث تقدر منظمة اليونسيف- بان نحو ( 335 الف ) طفل دون سن الخامسة مهددون بالموت البطيء نتيجة سوء التغذية فيما افادت الامم المتحدة بارتفاع نسبة الاطفال الذين يتلقون علاجاً من سوء التغذية بنسبة ( 80%) مقارنة بالشهر الماضي، الامر الذي يعكس استخفاف إسرائيل المطلق بالقانون الدولي الإنساني، والكارثة الإنسانية الماساوية التي تسببت فيها بقطاع غزة هذا ما اكده الدكتور مروان الهمص ـ مسؤول المستشفيات الميدانية في قطاع غزة وبحسب النظام العالمي لتصنيف مراحل الأمن الغذائي (IPC) :فإن 96.3% من السكان يحتاجون مساعدات غذائية عاجلة، فيما أن 67.8% يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد (المرحلة 4 أو أعلى). بيد أن 1.1مليون شخص في حالة طوارئ غذائية قصوى.
وتشير البيانات إلى أنّ أكثر من 80% من سكان القطاع يعانون من نقصٍ حادّ في الموارد؛ مما يدفع الأسر إلى اتخاذ إجراءات صارمة لتأمين الحدّ الأدنى من متطلبات الحياة اليومية.
وفي بيان صحفي صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي صرح فيه أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع إدخال حليب الأطفال والمواد الغذائية إلى قطاع غزة منذ 67 يوماً.. وأكثر من 3,500 طفل أصبحوا قريبين من الموت جوعاً كما جدد مكتب الإعلام الحكومي تحذيره من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة، بفعل استمرار جريمة إغلاق المعابر وتشديد الحصار الخانق منذ أكثر من 70 يوماً متواصلة. الاحتلال الإسرائيلي يواصل منع إدخال حليب الأطفال والمكملات الغذائية وكافة أشكال المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى وصول أكثر من 70,000 طفل إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد.
وفي ظل هذا الحصار الممنهج، يواجه أكثر من 3,500 طفل دون سن الخامسة خطر الموت الوشيك جوعاً، فيما يقف نحو 290,000 طفل على حافة الهلاك، في وقت يفتقر فيه 1.1 مليون طفل يومياً إلى الحد الأدنى من الغذاء اللازم للبقاء على قيد الحياة. إنها جريمة إبادة جماعية ينفذها الاحتلال "الإسرائيلي" عبر سلاح التجويع أمام صمت دولي مخزٍ.
0 تعليق