أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية الأسبق، أن اختزال السيرة النبوية المطهرة في جانب "المغازي والغزوات" هو تبسيط مخل وغير دقيق، مشددًا على أن المغازي لا تمثل سوى جزء يسير من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، التي هي أوسع وأشمل من أن تُختصر في القتال أو المواجهات العسكرية.
وقال عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية الأسبق، خلال بوكاست "مع نور الدين"، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء: "السيرة هي موقف النبي صلى الله عليه وسلم من الكون، والإنسان، والحياة، وما حولها من أفكار وأحداث وأشخاص، أما المغازي، فقد حدثت فقط في العشر سنوات الأخيرة من عمر الدعوة، ضمن العهد المدني، وهي لا تمثل إلا سدس حياة النبي عليه الصلاة والسلام."
وأوضح أن من بين 80 غزوة تم تسجيلها، لم يشارك النبي في القتال فعليًا إلا في 7 منها فقط، والبقية لم تشهد اشتباكًا، حتى في تلك الغزوات، كانت الخسائر البشرية محدودة جدًا مقارنة بما تشهده الحروب الحديثة، فقد بلغ مجموع القتلى من الطرفين في كل تلك السنوات نحو 1000 شخص، بينما نجد مثل هذا الرقم يُسجل في سنة واحدة من حوادث السيارات في مدينة مثل باريس"، مضيفًا أن هذا يدل على أن النبي لم يكن يسعى للقتال، بل كان دائم الحرص على الحقن الدماء والرحمة حتى في المواجهات.
وشدد على أن السيرة والمغازي تمثل دليلًا من دلائل النبوة، وأنها كانت مليئة بالدروس في الرحمة، والتنظيم، والتعليم، والتعامل مع الأسرى، مستشهدًا بقول الله تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا"، مشيرًا إلى أن الإسلام علّم الإنسانية مبادئ الحرب الرحيمة التي استفادت منها اتفاقيات جنيف لاحقًا.
وتابع: "المؤرخ محمد بن إسحاق لم يسمِّ كتابه (المغازي) فقط، بل عنوانه الكامل هو "المبدأ والمبعث والمغازي"، أي أن المغازي جزء من كل، ولكن تسمية السيرة بـ (المغازي) راجت عند العرب من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، وهي طريقة لغوية معروفة، كما نقول عن الصلاة ركعة، رغم أنها تضم أكثر من حركة واحدة."
وأضاف: "اعتراض البعض على الاسم بحجة أن المغازي تعني قتالًا فقط هو اعتراض غير منهجي وغير مقبول، بل إن المغازي هي من أشد وأشق المحطات في حياة النبي، فاستُخدم الاسم للدلالة على التحديات، لا للاختزال".
وفي ختام حديثه، شدد الدكتور علي جمعة على أن السيرة النبوية تمثل مدرسة إنسانية وأخلاقية متكاملة، والمغازي كانت وسيلة للدفاع عن الحق ونشر القيم، لا وسيلة للعدوان أو القتل، والنبي صلى الله عليه وسلم علّم العالم الرحمة، والعدل، والحرية، وحسن المعاملة حتى في أحلك الظروف.
وأكد أن الأمة يجب أن تقرأ السيرة قراءة شاملة لفهم الإسلام كما بلّغه النبي المربي والمعلم والرحيم، لا كما تصوره بعض حملات التشويه أو القراءات القاصرة.
0 تعليق