فيكتور بروكوبينيا*
تخيل أن تستيقظ صباح يوم ما لتجد حسابك المصرفي فارغاً - ليس بسبب عملية احتيال، بل بسبب قراراتكم الشخصية: فوائد على بطاقات الائتمان، أو استثمارات متسرعة، أو قرض غير مدروس، أو حتى راتب بالكاد يغطي الاحتياجات الأساسية. ليس ذلك سيناريو خيالياً مخيفا، بل واقع يومي يعيشه الملايين حول العالم.
ليست الأمية المالية مجرد مصدر إزعاج بل وباء مستفحل. فبحسب ستاندرد آند بورز، يمتلك 33% فقط من البالغين حول العالم معرفة مالية كافية، أي يجول ثلثا سكان العالم في متاهة مالية دون خريطة، متخذين قرارات قد تؤدي إلى الخراب بدلاً من الأمان.
ما الذي يحدث عند وقوع ظرف طارئ ما؟ يمتلك ما يقارب نصف جيل الألفية مدخرات تقل قيمتها عن ألف دولار. ولا تقتصر عواقب القرارات المالية السيئة على الأفراد فحسب بل تتردد أصداؤها عبر الاقتصادات، لتؤجج أزمات الديون، وتوسع الثغرات بين الثروات، وتنشئ أجيالاً مكبلة بصراعات مالية.
لكن عندما تبدو الأمور قاتمة يحصل تطور مفاجئ، إذ تبرز التكنولوجيا المالية.
غيرت التكنولوجيا كل شيء. وتماماً كما حل نظام تحديد المواقع العالمي محل الخرائط الورقية، حولت تطبيقات الهواتف الذكية أسلوب إدارتنا لأموالنا، فأصبح تداول الأسهم اليوم بسهولة طلب فنجان قهوة. وتستقطب تطبيقات الاستثمار عدداً مذهلاً من المستخدمين وصل إلى 117 مليون مستخدم عام 2023، وفي دولة الإمارات، ارتفع نشاط التداول بنسبة 75% على أساس سنوي، متجاوزاً عدة أسواق تضم إسبانيا وسنغافورة.
لكن سهولة الوصول دون فهم كافٍ تسفر عن كارثة، حيث تفتح نفس التطبيقات التي تتيح الاستثمار للجميع أبواباً للمضاربات المتهورة. وقد رأينا جميعاً تلك القصص - مراهنة بين متداولين بمبالغ كبيرة على أسهم «الميم»، فقاعات عملات مشفرة تنفجر بين ليلة وضحاها، ضياع مدخرات في دقائق. فدون التعليم المالي، تتحول تلك الأدوات إلى أسلحة لتدمير الذات.
تشير الحقيقة الصعبة إلى افتقار معظم الأشخاص لأبسط المهارات المالية. وقد أجرت ستاندرد آند بورز استطلاعاً عالمياً اختبر أربعة مبادئ أساسية: التضخم، وتنويع المخاطر، والمهارات الحسابية، والفائدة المركبة. ووجب على المشاركين في الاستطلاع تقديم إجابات صحيحة على ثلاثة من أصل أربعة أسئلة فقط لاعتبارهم مثقفين مالياً. وقد نجح فقط ثلث البالغين عبر أنحاء العالم في هذا الاختبار.
جاءت النتائج في دولة الإمارات أفضل قليلاً بنسبة 38%، لكنها تظل متأخرة عن مراكز قوى مالية مثل الولايات المتحدة واليابان، حيث يمتلك ما يفوق نصف البالغين فهماً عميقاً لإدارة الأموال.
لكننا نتوقع من الأشخاص اتخاذ خيارات مالية ذكية، مثل شراء منزل، والاستثمار بحكمة، والاستعداد للتقاعد، دون تعليمهم كيفية فعل ذلك.
ولا تقتصر تلك الثغرة المعرفية على الضائقة الفردية، بل تمثل خطراً اقتصادياً. يشكل شيوع الاضطرابات المالية بين سكان دولة ما عبئاً على الاقتصاد الوطني، ويفضي إلى زيادة الاعتماد على البرامج الاجتماعية، والإقراض الجائر، وتقلبات السوق. لكن إذا غيرنا ذلك الواقع، تصبح الثقافة المالية إحدى أقوى محركات الاستقرار والنمو والازدهار.
لذلك، يجب على الحكومات والشركات التدخل.
في دولة الإمارات، تزود مبادرات تشمل أكاديمية الاقتصاد الجديد وبرنامج «غاية» الأشخاص بالمهارات اللازمة لإدارة أموالهم بذكاء.
وتعدّ أكاديمية الاقتصاد الجديد، التابعة لمكتب رئاسة مجلس الوزراء في الدولة، مركزاً رائداً للتدريب والتعليم والتثقيف المالي، حيث تقود الأكاديمية تنشئة جيل جديد من الإماراتيين الملمين بالشؤون المالية.
كما يوفر برنامج «غاية»، المدعوم من أكاديمية سوق أبوظبي العالمي وبالتعاون مع معهد لندن للصيرفة والتمويل، خدماته لسكان أبوظبي منذ عام 2020.
كذلك، عقدت شركة الصكوك الوطنية شراكة مع «تعليم» لتقديم مفاهيم الثقافة المالية للطلاب في مدارسها الاثنتي عشرة. كما طورت مبادرة «كيدز فينانس» المخصصة للأطفال برامج للمدارس والجامعات والشركات الخاصة.
إذا كان عليك استخلاص فكرة واحدة فقط من هذا المقال، فتذكر التالي: المعرفة المالية ليست خياراً، إنما تمثل الفارق بين الازدهار وشظف العيش، بين بناء الثروة والغرق في الديون، بين التحكّم في مستقبلكم والتحول إلى مجرد رقم إحصائي آخر.
ومن خلال تعزيز الثقافة المالية، يمكن ضمان إعداد مستثمرين ومدخرين أفضل وبناء مستقبل يمكن فيه للمزيد من الأفراد تحقيق الاستقلال المالي والاستقرار على المدى البعيد. فرحلة التمكين المالي تبدأ بالمعرفة، وعلينا ضمان عدم خوض أحد تلك المسيرة بمفرده.
* مؤسس شركة كابيتال
0 تعليق