آسيا تتنفس هدنة جنيف

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نايجل غرين*

اتفقت الولايات المتحدة والصين على خفض الرسوم الجمركية بشكل حاد خلال التسعين يوماً القادمة، ما يوفر هدنة مطلوبة بشدة في حرب تجارية تُرهق سلاسل التوريد العالمية وتختبر صبر أسواق رأس المال.
ويُخفض الاتفاق، الذي أُبرم في جنيف، الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الصينية من 145% إلى 30%، وتلك الصينية على الواردات الأمريكية من 125% إلى 10%.
وعلى الرغم من محدودية مدته وعدم اليقين من نتائجه، إلا أن الاتفاق يترك من الناحية العملية آثاراً ملموسة على الأسواق والعملات والمعنويات الآسيوية.
وقد ارتفعت الأسهم الآسيوية في أعقاب ذلك مباشرةً، بقيادة شركات التصدير وتصنيع أشباه الموصلات والقطاعات الصناعية. وارتفع مؤشر هانغ سينغ للتكنولوجيا في هونغ كونغ بنسبة 5.2% عند الإغلاق، مسجلاً أكبر ارتفاع له في شهرين.
وربما يكون رد الفعل الأبرز متمثلاً في أسواق الصرف الأجنبي، حيث حقق الدولار الأمريكي أفضل أداء يومي له منذ أكثر من شهر على أساس الوزن التجاري، لكن السؤال الأهم لأسواق العملات الأجنبية مستقبلاً هو ما إذا كان الضرر الذي لحق بمكانة الدولار على المدى الطويل قد وقع بالفعل.
وبينما كان رد فعل السوق الأولي إيجابياً بشكل واضح تجاه الدولار، إلا أنه عكس أيضاً تفكيك مراكز البيع الطويلة. فقبل الإعلان، ارتفع الدولار التايواني بأكثر من 8% مقابل الدولار الأمريكي هذا العام، وحذت حذوه بعض العملات الآسيوية الأخرى.
هذا ليس مجرد ضجيج أو إعادة توازن مؤقتة، إنه تحول في مراكز البيع. ويعكس الارتفاع الأخير في العملات الآسيوية قوتين رئيسيتين: أولاً، قوة ميكانيكية، حيث يقلل انخفاض الرسوم الجمركية من الضغط التضخمي على السلع المستوردة، ما يمنح البنوك المركزية في آسيا الناشئة مساحة أكبر لالتقاط الأنفاس. فالاتفاق يمنح دولاً مثل الهند والفلبين وإندونيسيا، التي كانت سابقاً مترددة بين رفع أسعار الفائدة ودعم النمو، مرونة أكبر قليلاً لإعطاء الأولوية للظروف المحلية على حساب الدفاع عن المخاطر الخارجية.
ثانياً، والأهم، أن رأس المال يتحرك، وبالتأكيد ستُعيد الشركات الآسيوية أرباحها المحتفظ بها في الخارج، وتبتعد صناديق التحوط ومديرو الأصول عن تداولات الدولار في ذروة الشراء.
في الوقت نفسه، يتسارع الطلب على أدوات التحوط من تقلبات العملات في اليابان، حيث تستغل الشركات الفرصة للحصول على شروط أكثر ملاءمة بعد أشهر من التقلبات.
ما تغير ليس أن المستثمرين يؤمنون فجأة بالمصالحة بين الولايات المتحدة والصين، بل إن الافتراض المستمر بحدوث المزيد من التدهور قد توقف. في الأسواق المالية، غالباً ما يُثير أي تغيير في الاتجاه، مهما كان متواضعاً، استجابة أكبر من استمرار الاتجاه.
لقد كانت الحرب التجارية هي الخطر الاقتصادي الحاسم خلال الأشهر الستة الماضية. ومع ذلك، لم تكن آسيا، بنظمها الإنتاجية المعقدة وروابطها التجارية العميقة، عرضة للخطر بشكل مذهل، لكنها تبقى حساسة باستمرار.
فمعلوم ٌ أن شركات تصنيع الرقائق التايوانية، ومصدري الإلكترونيات في كوريا الجنوبية، وشركات الآلات اليابانية، وشركات التجميع الفيتنامية، جميعها تعمل ضمن سلاسل توريد متعددة الخطوات تعتمد على القدرة على التنبؤ. بالتالي، لم ترفع الرسوم الجمركية التكاليف فحسب، بل زادت من حالة الشلل الاقتصادي.
والآن، مع مهلة 90 يوماً لتخفيض الرسوم الجمركية، سيخفّ بعض هذا الشلل، ويمكن للشركات البدء في اتخاذ قرارات مجدداً بشأن المشتريات والتوظيف والشحنات والنفقات الرأسمالية.
ومن المرجح أن تشهد البنوك في جميع أنحاء المنطقة اهتماماً متجدداً من الشركات باستئناف برامج الاستثمار التي توقفت سابقاً. في جنوب شرق آسيا، حيث أجّلت العديد من الشركات توسعاتها العابرة للحدود بسبب عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية، ستكون هناك علامات شبه فورية على تجدد نشاط التخطيط.
وسيدعم ضعف الدولار هذا الارتفاع في النشاط. فعادةً ما يُضخّم ضعف الدولار التدفقات إلى الأسواق الناشئة، ولن يكون الأمر مختلفاً هذه المرة. وسوف تصبح خدمة الديون والسلع المقوّمة بالدولار أقل تكلفة. وستشهد السندات السيادية والأسهم الآسيوية، التي كانت تُسعّر بشكل دفاعي، تدفقات واردة مؤقتة مرة أخرى. ومع ذلك، من الخطر الخلط بين هذا التحول في اللهجة وإيجاد حلّ حقيقي للتوترات الأمريكية الصينية. فاتفاقية جنيف محدودة النطاق ومؤقتة بطبيعتها، ولا تتضمن آلية إنفاذ، وأساسها هش.
وتُبرز تصريحات الرئيس ترامب بعد الاتفاق، التي أشار فيها إلى أن فرض تعريفة جمركية بنسبة 80% قد يكون مناسباً «في المرة القادمة»، مدى تقلب الوضع. إلا أن الدرس المستفاد من هذه التجربة هو أن أكبر اقتصادين في العالم يتعرضان لضغوط.
تحاول الولايات المتحدة إدارة قلق الناخبين بشأن أسعار المستهلك والركود الاقتصادي. وتعمل الصين على استقرار النشاط الصناعي وإعادة ترسيخ ثقة المستثمرين. ولا يستطيع أيٌّ منهما تحمّل انهيار كامل للعلاقات التجارية، على الأقل ليس في الوقت الحالي.
لا تزال آسيا موطناً لبعضٍ من أكثر الاقتصادات إنتاجيةً، مدفوعةً بالتصدير، وأسواق استهلاكية ديناميكية، وشركات تكنولوجية سريعة التكيف في العالم. وقد حجبت حرب الرسوم الجمركية هذه القوة بضخّها مخاطر خارجية. وتُزيل الهدنة ما يكفي من الضبابية لإعادة تسليط الضوء على الوضع الإقليمي.

* المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفيرا» للاستشارات المالية والحلول الرقمية (آسيان تايمز)

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق