في زمن مضى يتجاوز السبعين عاماً قرر أحد العلماء في أمريكا، والذي يدعى كورت ريتشر أن يجري تجربة على فئران مختبره، فقام بوضعها في وعاء مملوء بالماء، وجلس يسجل ملاحظاته، كانت الفئران تسبح بخوف، وتحاول بشتى الطرق الخروج من الوعاء دون جدوى وكاد أغلبها يفارق الحياة بعد مضي خمس عشرة دقيقة فقط، ولكنه قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة أسرع ريتشر بإخراجها من الوعاء ووضعها بأمان على فراش أعده لها وقام بلطف بالعناية بها وتجفيفها، وبعد أن تأكد أنها ارتاحت بما يكفي أعاد ريتشر نفس التجربة ووضع نفس الفئران في ذات الوعاء وانتظر يراقبها، وكانت المفاجأة! الفئران استمرت في السباحة لمدة تجاوزت الستين ساعة، أي ما يقارب اليومين، كتب ريتشر متسائلاً لِمَ استمرت الفئران في المرة الثانية في السباحة؟ باختصار لأنها فهمت أن (الإنقاذ ممكن) تيقنت الفئران إن هناك أملاً للنجاة فقاتلت ولم تستسلم.نعم الإنقاذ ممكن الأمل موجود نعيش اليوم في زمن أثقلت فيه أيامنا أرواحنا ونسج فيه المجتمع حولنا شباكاً يصعب التخلص منها، يحارب فيه الناس كل يوم للبقاء والنهوض والقيود تحول دون نهوضه لكنه لا ييأس يستمر ويستمر حتى يصل لنقطة الاستسلام فيقف ويستعد للغرق، محاولاته الكثيرة للنهوض تجعله ينسى إن الإنقاذ ممكن، قال نيتشه في أحد مؤلفاته «من يملك سبباً ليعيش، سيتحمل أي كيف» نعم كلما تذكرنا أن هناك سبباً نعيش من أجله سنبقى، سنعمل، وسنقاوم رغباتنا في الاستسلام والغرق.الاستسلام الوحيد المقبول في هذه الحياة هو الاستسلام الكامل لإرادة الله وحده، لكن الضغوط التي تحاصرنا في كل اتجاه ليست سبباً للتوقف، بل هي سبب للاستمرار، الإنسان هو أعظم وأقوى ما خلق الله عز وجل على وجه الأرض، وتكمن قوانا في صبرنا واستمرارنا، رغم العوائق والعثرات ننهض دائماً، ونحاول ونصر على المحاولة، لا سبب يجعلنا نقبل أن نتوقف.وإن كنت أرى أن بعض الاستسلامات مبررة عند البعض كرد فعل لكل تلك التجارب التي يعيشونها وعاشوها على مر السنوات، وتسببت في إرهاقهم، فإن ما يؤلم حقاً هو أن نرى مجموعة كبيرة من الشباب الذين لا تتراوح أعمارهم العشرين والثلاثين عاماً يعيشون يأساً واستسلاماً لا مبرر له سوى أنهم فقدوا بوصلة الطريقة، وظنوا مخطئين أن لا مجال للإنقاذ، متى وكيف وصل بهم الشعور إلى هذه النقطة؟الإجابة هنا تقف أمامنا واضحة هم استسلموا عندما لم ينقذهم أحد في المرة الأولى عندما كادوا يغرقون، السباحة في بحر من الألم والخوف والقلق هي موت بطيء للنفس والروح، للرغبة في المحاولة والاستمرار، الحقيقة المطلقة هي أن بصيص الأمل، سواء كان حقيقياً أو غامضاً يغير بالكامل قدراتنا على التحمل والصبر والمقاومة.الخلاصة: الشباب هم المستقبل الذي نجهل كيف سيكون، لكن المفارقة هي أننا نحن بأيدينا من سيشكله، نحن من نزرع في روحهم القيم والأخلاق والمبادئ، الأمل والصبر والحياة، نحن من نعلمهم ونحن من عليه أن يقف دائماً، ويمد يده ليخرجهم من وعاء الماء قبل أن يغرقوا.
بعد ستين ساعة.. الفئران مازالت تنتظر!

بعد ستين ساعة.. الفئران مازالت تنتظر!
0 تعليق