(1)
حصار من البر والجو والبحر، شعب يموت جوعًا وعطشًا، أمام مسمع ومرأى من العالم، أطفال يبكون، وأمهات تستغيث، وشيوخ عاجزون، ومرضى يودّعون آخر لحظاتهم فـي هذه الحياة، لا يمكن لهذه المأساة أن تستمر، لقد بلغ السيل الزُّبى، وما زال ضمير العالم غارقًا في سباته وأحلامه، «غزة» تُنتهك وتُسوّى بالأرض أيها الصامتون، «غزة» لن تعود كما كانت أيها العرب، «غزة» تحتضر بشجرها، وصخرها، وحيواناتها، وزرعها، وزيتونها، وتينها، وبشرها، والعالم صمٌّ بُكمٌ عُميٌ، فهم لا يتكلمون.
(2)
«غزة» تحتضر، والاحتلال يُمعن فـي القتل والدمار، ومن خلفه قوى الشر، يتكالبون على شعب أراد الحياة بكرامة، فانتهى به المطاف إلى إبادة جماعية لم يشهد لها التاريخ مثيلًا من قبل، والغريب أن الرواية اليهودية المكذوبة ما زالت هي الرواية الموثوقة لدى الإعلام الغربي، وما زال الصهاينة يتباكون على حائط المبكى، محاولين أن يُصدقوا الكذبة التي كذبوها على العالم، يقتلون الأطفال بيد، وفـي يدهم الأخرى منديل يمسحون به دموع «المحرقة»، يستنجدون بالمغيبين من دول العالم الأعمى، الذي لا يرى سوى الجانب الذي تُظهره إسرائيل لهم، بينما الجانب الإنساني من الرواية مخفـيٌّ عنهم، لا يريدون أن يطلعوا عليه؛ لأنهم غير قادرين على رؤية الحقيقة فـي زمن غابت عنه الحقيقة.
(3)
نتابع الأخبار، ونعدّ وراء المذيع الإحصائية الأخيرة لشهداء «غزة»، ونتأثر كثيرًا، وقد نبكي، ولكن يد العرب مغلولة؛ لأن أوراق اللعب فـي يد عدوهم، لا يمكنهم أن يلعبوا دورًا جوهريًا فـي حل القضية، لا يمكنهم حتى التهديد بسحب السفراء، أو قطع الغاز، أو النفط. لا يملكون قرارهم، وبذلك هم مجبرون على لعب دور الدبلوماسي النزيه، بينما يأخذ الأمريكي دور الإسرائيلي المتصهين، ويعمل على كسب الوقت، ويساعد المحتل بالمال والسلاح. وفـي السياق ذاته، يكتفـي العرب بالكلام، والتنديد، وربما يمدّ البعض منهم يده من تحت الطاولة للمجرم؛ كي يُنهي مهمته، ولذلك لا تكترث إسرائيل بدموع العرب وتصريحاتهم؛ لأنها تعلم الحقيقة التي لا يطلع عليها غيرهم.
(4)
ألم يأنِ للعرب أن يوقفوا هذه الحرب الشعواء ضد أبناء جلدتهم؟!.. ألم يحن الوقت كي تنتهي هذه الحرب المجرمة المجنونة؟!.. ألم يتألم العرب لصرخات إخوانهم؟!.. يبدو أن كل الأسئلة لم تحرّك ساكنًا، لقد ماتت الضمائر فـي ساحة السياسة، وتهاوت القيم على أرض المصالح، وانتهت القيم العربية الأصيلة التي تغنّى بها العرب دائمًا إلى غير رجعة. فهذه الإبادة الجماعية لن تنتهي بإدانة المعتدي المجرم، ولن تتوقف بصرخة استجداء عربية، ولن تتحرك بشجب، أو مؤتمر قمة عربي «طارئ»، لا جدوى منه.
غزة تُباد أيها العالم، والمجرم ما زال يتحكّم فـي الأرض، والبحر، والجو العربي، لا حسيب عليه، ولا رقيب. لقد أُهين كل عربي، وهو يشاهد أخاه الفلسطيني يُهان، وتُهدَر كرامته على أرضه، والجميع يشاهده، ويتحسّر بصمت، ولا يُحرّك ساكنًا لنصرته. فأيّ زمن عربي رديء نعيش؟!.. وإلى أيّ هاوية نسير؟!
0 تعليق