لذلك كانت مفاجأة كبرى في خطاب الرئيس دونالد ترمب في المنتدى السعودي الأمريكي للاستثمار حينما أشار إلى هذا الجانب بنقد شديد في معرض التعبير عن إعجابه بالنهضة الضخمة التي تشهدها المملكة في كل مجال، موجهاً نقده لمن وصفهم، أو من يصفون أنفسهم بـ«صانعي الأمم» ويقصد بهم المؤسسات الليبرالية الغربية والنخبة السياسية المتطرفة، قال ترمب: «صانعو الأمم دمروا أكثر مما بنوا، لم يخلفوا سوى الفوضى، والشرق الأوسط الحديث ليس من صنع الغرب، بل بإرادة أهله الذين قرروا مصيرهم بأنفسهم، بسيادتهم، ورؤاهم الفريدة، وتمسكهم بهويتهم وحبهم لها». ويضيف مخاطباً سمو ولي العهد: «المعجزة التي حققتموها لم تأتِ بتدخلات غربية، ولا ممن يسمون أنفسهم بناة الأمم، بل من أبناء دولتكم ذات السيادة، لقد صنعتم معجزتكم بطريقتكم الخاصة، الطريقة العربية». ولم يتوقف الرئيس ترمب عند هذا الحد بل قال أيضاً: «لم يأتِ السلام والرخاء والتقدم من رفضكم تراثكم بل من اعتناق تقاليدكم الوطنية، واعتناق التراث الذي تحبونه حباً جماً». وفي النهاية يعلن ترمب عبارة حاسمة: (لا للتدخلات الغربية، ولن نفرض عليكم قيمنا).
نحن هنا أمام تحول غير مسبوق في نظرة الغرب إلى مفاهيم السيادة والوطنية والثقافة والقيم الخاصة ببقية مجتمعات العالم. إنه نمط تفكير مختلف تماماً عن الذي ساد لزمن طويل، وتسبّب في كوارث عانت منها كثير من الدول تحت لافتات كاذبة لا علاقة لها بالشعارات المعلنة. التجربة السعودية التي أبهرت الرئيس ترمب وبقية العالم هي أقوى دليل على استطاعة أي دولة أن تصنع نهضتها بمواصفاتها المحلية الوطنية وليس بوصفة خارجية مفروضة عليها.
نتمنى أن تسري هذه العدوى الجميلة من الرئيس ترمب إلى بقية النخب السياسية الغربية التي ما زالت تعيش وهم الفوقية رغم أن مجتمعاتها تعاني التحلل النفسي والاضطراب الثقافي والتيه الإنساني.
أخبار ذات صلة
0 تعليق