فالرسوم المفروضة على العقارات الشاغرة جاءت لتحرك ما كان ساكناً، ولتمنح الأفضلية للمالك الملتزم على المالك المترقب، وتسهم في كبح الممارسات التي تعطل التداول وترفع الأسعار دون مبرر. إلا أن الواقع يُظهر أن بعض الملاك وربما بالتنسيق مع أطراف شكلية قد يلجأون إلى إبرام عقود إيجار ظاهرها قانوني وباطنها تحايلي، بغرض إسقاط تصنيف العقار كـ«شاغر»، وتفادي الرسوم المفروضة.
تُبرم العقود على منصة «إيجار»، وتُسجل رسمياً، ثم يتم إيداع مبالغ الإيجار واستعادتها بطريقة متفق عليها بين المالك والمستأجر الصوري، ليُظهر المالك أنه امتثل للنظام، في حين أن العقار لا يزال فعلياً خالياً من الإشغال. وعند وصول مستأجر حقيقي، يُفسخ العقد الأول ويُحرر عقد جديد، وكأن العقار لم يكن يوماً شاغراً.
هذه الحيلة، وإن بدت في ظاهرها «ذكية»، إلا أنها تفرغ النظام من غايته، وتُنشئ سوقاً رمادية لا تعكس الواقع، وتضعف أدوات تطبيق النظام في التصنيف والمعالجة. بل وتخلق شعوراً بعدم العدالة لدى الملتزمين الذين يتحملون الرسوم فعلياً، في حين يتهرب المتحايلون منها تحت غطاء الشكل النظامي.
ولعل من أبرز ما يمكن اقتراحه هنا هو تطوير أدوات فحص الإشغال، بحيث لا يُعتد بالعقد المسجل وحده، بل يُربط بالبيانات التشغيلية للعقار (كالاستهلاك الكهربائي والمائي، أو الحد الأدنى لمدة إشغال فعلي)، وأن تُمنح الجهات التنظيمية صلاحية مراجعة العقود التي تُفسخ في فترات وجيزة دون أسباب موضوعية. كما ينبغي أن يُنص بشكل صريح على أن التواطؤ في إبرام عقود صورية بقصد التحايل على الرسوم يُعد مخالفة موجبة للعقوبة.
فالتحايل لا يُحارب بالتشديد فقط، بل بالفهم المسبق لطبيعته، والقدرة على تجاوزه تشريعياً وتنفيذياً.
إن الدولة حين تنظم السوق، فإنها لا تقف في مواجهة أحد، بل تحمي الجميع، وتعيد الأمور إلى نصابها. وعلى المجتمع أن يكون ذراعاً مساندة لهذا التنظيم، لا طرفاً باحثاً عن ثغراته.
إن نجاح سياسة فرض الرسوم لا يقاس فقط بتحصيلها، بل بمدى احترامها كأداة لتنظيم السوق. فإما أن نلتزم بجوهر النظام وهدفه، وإما أن يظل «عقار يشاغر النظام»، لا المكان.
أخبار ذات صلة
0 تعليق