"فلسطين الشهيدة".. صور وشهادات لمجازر الاحتلال ما قبل النكبة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان- في خطوة تهدف إلى حماية الهوية الثقافية الفلسطينية وتوثيق الذاكرة الوطنية، أعادت وزارة الثقافة الفلسطينية إصدار "50" كتابا، من الكتب التي نشرت قبل العام 1948، ضمن مشروع لإحياء الموروث الثقافي الفلسطيني. اضافة اعلان
من بين هذه الإصدارات، وبمناسبة الذكرى الـ74 للنكبة، يأتي كتاب "فلسطين الشهيدة" بوصفه وثيقة نادرة توثق بالصور والشهادات بعضا من المجازر والانتهاكات التي ارتكبتها سلطات الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية في فلسطين بين العامين 1921 و1938.
الكتاب، الذي صدر للمرة الأولى العام 1938، يعد سجلا تاريخيا مصورا لجرائم التهجير والنسف والقتل الجماعي التي تعرض لها الفلسطينيون، ويعكس جانبا مهما من نضالهم المتواصل في وجه الاستعمار والاقتلاع. 
ويشمل هذا المشروع إعادة طباعة نحو 1400 كتاب صدر في فلسطين قبل النكبة، إلى جانب تعزيز المحتوى الرقمي المعرفي حول فلسطين، والحفاظ على عناصر التراث غير المادي التي تشكل جوهر الهوية الوطنية.
يتضمن الكتاب سردا تفصيليا لعدد من الثورات الفلسطينية الكبرى بين العامين 1921 و1938، بدءا من ثورة يافا، مرورا بثورة البراق، وتظاهرات القدس ويافا العام 1933، وصولا إلى الثورة الكبرى العام 1936، ويوثق من خلال الصور والمشاهد الحية ما تعرضت له المدن والقرى الفلسطينية من تدمير ممنهج، ونسف للبيوت، وقتل للمدنيين، وتهجير قسري، شاركت فيه سلطات الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية معا.
كما يسلط الضوء على ممارسات "التفتيش" التي كانت في حقيقتها عمليات عقاب جماعي وتخريب، إضافة إلى شهادات نادرة منها شهادة لسيدة إنجليزية زارت إحدى القرى بعد وقوع المجزرة، وقدمت وصفا مرعبا للدمار الذي شاهدته. فإعادة نشر هذا الكتاب اليوم ليس مجرد جهد أرشيفي، بل هو فعل مقاومة ثقافية ومعرفية، يهدف إلى حماية السردية الفلسطينية، وتوفير مصادر أصيلة للباحثين والقراء، وإبقاء الذاكرة الوطنية حية في وجه النسيان والنفي والتشويه.
وكتب وزير الثقافة الفلسطيني، عماد حمدان، في كلمة على غلاف الكتاب: "لقد شكل النشر عبر العصور أداة للتمدد والاحتواء، وامتلك قدرة استثنائية على التجدد والتنوع من خلال تحولاته التقنية، بدءا من الإيماءة، مرورا بالنقش، وصولا إلى الطباعة على الورق. هو ضوء متعدد الطبقات، يلتقط بوميضه أحاسيسنا المتغيرة بفعل الزمن".
وأضاف: "مثل هذا التمدد قادر على تقليص المسافة، وتجسيد حاجتنا إلى التنقل عبر محطات التاريخ، وإثراء تجاربنا في تشكيل ذاكرة حية لا تغيب. فهذه التحولات التكنولوجية لم تكن صدفة، بل هي انبثاق مبدع لخلق الترابط مع الآخر في عالم متسع. من هذا المنطلق، صممت الوزارة مشروع النشر الرقمي، إيمانا بضرورة توسيع نطاق المعرفة وإتاحتها للباحثين والقراء".
يتحدث كتاب "فلسطين الشهيدة" في كلمة جاء فيها: "فلسطين قطر عربي، يسكنه منذ القدم شعب عربي. وقد أراد الإنجليز أن يسلبوا هذا الشعب وطنه ويعطوه لليهود؛ فرفض، وجاهد، واستبسل، واحتمل من التضحيات ما لم يحتمله شعبٌ آخر. وما يزال صابرا مجاهدا، يقدم أعظم صور الفداء".
تتابعت في فلسطين الثورات منذ احتلالها من قبل الإنجليز عقب "الحرب الكبرى" (الحرب العالمية الأولى)، حتى أصبحت حياتها، في تاريخها الحديث خلال العقدين الأخيرين، أشبه بثورة دائمة لا تنقطع، تتخللها فترات من هدوء مؤقت. وكان السبب الجوهري في اندلاع هذه الثورات هو السياسة البريطانية الظالمة، التي سعت إلى إجلاء الشعب العربي عن أرض آبائه وأجداده، وإحلال شعب غريب مكانه، جلب من أصقاع الأرض، وفقا للسياسة التي تأسست على "وعد بلفور" والمعروفة بسياسة "الوطن القومي اليهودي".
وهذه المجموعة (أي الكتاب)، تحتوي على القليل مما أمكن الوصول إليه، في ظل تلك الظروف، من الصور التي تنطق ببعض ما قدمته فلسطين الشهيدة، في جهادها الطويل، من تضحيات وفداء، وما لقيته من عذاب وبلاء. وهي تسجل مشاهد من المجازر والآثام التي ارتكبها الاحتلال البريطاني، كان أقلها القتل والتمثيل، وأهونها النسف والتدمير.
الثورات الفلسطينية والمجازر الموثقة في الكتاب: "الثورة الثانية– يافا ومنطقتها (1 مايو 1921): وقعت هذه الثورة بعد الثورة الأولى في القدس (نيسان 1920)، ولكن لم نحصل على صور لها. أما الثورة الثانية التي وقعت في يافا وقضاء بني صعب (طولكرم). فارتكب خلالها اليهود مجازر فظيعة، منها قتل أربعين جريحا عربيا بعد أن سلمهم الإنجليز لليهود في مستعمرة "ملبس"، إلى جانب استخدام ماء الفضة لتشويه وجوه النساء".
أما الثورة الثانية، فهي "ثورة البراق" العام 1929، التي سبقتها، بين العامين 1921 و1929، ثورات موضعية متفرقة اندلعت في مدن مثل القدس، حيفا، غزة، بيسان ونابلس. ثم اندلعت في الثالث والعشرين من آب (أغسطس) العام 1929 ثورة عامة كبرى، شملت معظم أنحاء فلسطين، وكانت من أبرز محطاتها القدس، الخليل، صفد، يافا، حيفا وقضاء غزة.
ونشأت هذه الثورة نتيجة اعتداءات اليهود على حائط البراق الشريف والمسجد الأقصى، مما أثار مشاعر الغضب الشعبي وأدى إلى اندلاع المواجهات. وقد أسفرت تلك الأحداث عن سقوط مئات الضحايا من الفلسطينيين. وعلى إثرها، أقدم الاحتلال البريطاني على تنفيذ أول أحكام الإعدام بحق ثلة من الثوار، حيث علق على أعواد المشانق الشهداء الأبرار: فؤاد حجازي، عطا الزير ومحمد جمجوم. ولم يتح لنا توثيق الكثير من مشاهد هذه الثورة المصورة، إلا القليل منها، نظرا لظروف القمع والمنع التي رافقت تلك المرحلة.
أما الثورة الثالثة، فهي "ثورة التظاهرات– القدس ويافا، 1933". ففي العام 1933، استفحل الخطر الصهيوني في فلسطين، وظهرت بوادره بشكل واضح من خلال تضخم الهجرة اليهودية واستيلاء المستوطنين على مساحات واسعة من الأراضي. وإزاء هذا الواقع المقلق، قرر الشعب العربي تنظيم تظاهرات عامة دورية، تقام كل أسبوع في مدينة مختلفة، تعبيرا عن احتجاجه ورفضه لهذه السياسات الاستعمارية.
الثورة الكبرى (19 نيسان 1936– 1938): التي بدأت بإضراب عام وتحولت إلى ثورة شاملة امتدت حتى تشرين الأول 1938. استخدم الاحتلال البريطاني الديناميت لنسف البيوت، فدمر أكثر من ألف منزل. ومن بين المدن والقرى المنكوبة: يافا، جنين، باقة الغربية، شعب، كوكب أبو الهيجاء، البصة، الزيب، قولية ونابلس.
وعندما جرى نسف مدينة يافا، لم يمنح السكان سوى مهلة قصيرة لمغادرة منازلهم، لم تتجاوز 24 ساعة، علما أن التجول كان ممنوعا ليلا، مما جعل المهلة الفعلية لا تتعدى ساعات النهار فقط. وفي هذا الوقت الضيق، حاول الأهالي جاهدين إنقاذ ما تيسر من ممتلكاتهم الضرورية، قبل أن تنسف البيوت بما فيها ومن فيها.
وقد وثق الكتاب هذه المشاهد المروعة من خلال صور توضح حجم الدمار الذي لحق بالمنازل. أما في جنين، فقد وقع النسف في آب (أغسطس) 1938، حيث تحوّلت المدينة، التي كانت تُعرف بجمالها، إلى أنقاض وخرائب، بعد أن هدمت حوانيتها وبيوتها، وغدت كومة من الركام والحجارة.
وشهدت قرى عدة مجازر مشابهة، إذ استخدم الاحتلال البريطاني وسائل الحرق، والنسف، وقصف المدافع كما حصل في قرية "كوكب أبو الهيجاء تموز (يوليو) 1938"، أحرقت القرية بأكملها، ودمرت تدميرا شاملا. وأرفق الكتاب صورة لعائلة تجلس فوق أنقاض منزلها المحترق. وفي باقة الغربية تموز (يوليو) 1938، تم نسف المنازل بالديناميت، فغدت البلدة ركاما من الحجارة.
وفي قرية شعب 17 آب (أغسطس) 1938، نسف ما لا يقل عن 135 بيتا. وفي قرية البصّة 7 أيلول (سبتمبر) 1938، لم يكتف الاحتلال بالنسف والحرق، بل استخدم المدافع الثقيلة، وقد ظهرت آثار الضربات المدفعية في الصور المرفقة. أما في قرية الزيب 17 أيلول (سبتمبر) 1938، فقد أحرقت البيوت بما فيها. وفي قرية قولية 1936،  تعرضت منازل القرية للنسف بالديناميت، كما حدث في اللد ونابلس.
ومن أبشع الممارسات اليومية التي ارتكبها الاحتلال البريطاني، ما سُمي زورا بـ"التفتيش". إذ لم يكن تفتيشا اعتياديا، بل كان عملية من التخريب والترويع والنهب والتعذيب والقتل. كان الجنود يقتحمون القرى والمدن، ويعمدون إلى إرهاب الأهالي، وضربهم والتنكيل بهم، بل وقتل بعضهم عمدًا. كما كانوا يحطمون الأثاث والأبواب والنوافذ، ويدمرون المؤونة ويخلطونها عمدا حتى لا تصلح للاستخدام، ويصبون عليها السمن والزيت والبترول، ويسرقون النقود والحُلي وكل ما له قيمة.
ويختتم الكتاب بشهادة حية وردت تحت عنوان "شاهد منهم"، نقلا عن سيدة إنجليزية تدعى مس نيوتن، كانت تقيم في مدينة حيفا. بعد أن ارتكب الاحتلال البريطاني مجازر مروعة في قرية إجزم المجاورة، زارت السيدة القرية بنفسها، ووثقت ما رأته من مجازر بالصور، ثم أصدرت كتيبا باللغة الإنجليزية تسرد فيه شهادتها. وقد تضمن بعضا من تلك الصور، التي تظهر فيها عائلات فلسطينية تجلس فوق أنقاض منازلها المنسوفة.
وكان من نتائج هذه المجازر المتكررة النزوح الجماعي عن القرى، حيث اضطر الأهالي إلى ترك ديارهم قسرا، والتوجه نحو المدن التي لم تعد تتسع لهم، فلجأوا إلى المساجد والكنائس وحتى الشوارع.
أما الجرائم التي اشترك فيها اليهود مع الإنجليز، فلم تكن أقل دموية، إذ عمدوا إلى زرع الألغام وإلقاء القنابل في حيفا والقدس ويافا، ما أدى إلى استشهاد نحو 150 عربيا، وجرح أضعاف ذلك، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال. وقد تناثرت الأشلاء في مواقع الانفجارات في مشهد تقشعر له الأبدان.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق