الفلسطينيون عالقون في مثلث برمودا السياسي

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

بقلم: جاكي خوري

توجد لحظات يتقلص فيها كل التاريخ ليصبح شعورا يتلخص بالعجز. هذه هي اللحظة الحالية بالنسبة للفلسطينيين. لقاءات القمة التي نظمها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع زعماء السعودية، قطر واتحاد الإمارات، ظهرت كأحداث ذروة العصر الحديث. مئات مليارات الدولارات استثمرت في صفقات السلاح والبنى التحتية وصفقات اقتصادية. ترامب يواصل القيام بدور رئيسي في تشكيل شرق أوسط جديد، أميركي، الذي هدفه هو إبعاد الصين وتقليص نفوذ إيران. ولكن في كل الاستثمارات الضخمة والحلم الجديد لهذه المنطقة توجد قضية واحدة بقيت في الخارج وهي أنه لم يتم إعداد حتى خطة رئيسية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.اضافة اعلان
القمة العربية التي تم افتتاحها أول من أمس في بغداد على شكل القمم للجامعة العربية في العشرين سنة الأخيرة، هي استمرارية مباشرة لتقليد الشعارات والكليشيهات الفارغة التي لم تتم ترجمتها إلى افعال. ممثلو الشعوب العربية لا يطرحون أي أداة ضغط حقيقية ولا يفحصون القيام بخطوات عملية تجاه إسرائيل، في حين أن القضية الفلسطينية، التي على الأقل تجاه الخارج كانت مركز الوجود السياسي العربي، تم دفعها إلى الهامش وإخفائها وراء خطابات لا معنى لها.
في صورة الوضع الحالية تظهر ثلاثة إخفاقات استراتيجية. الأرجل الثلاثة التي وقف عليها أمل الفلسطينيين انهارت. الكفاح المسلح، الذي تمت صياغته باللغة الدينية والسياسية "الجهاد في سبيل الله"، وباللغة العبرية حسب الرواية الإسرائيلية "الارهاب"، فقد الشرعية الإقليمية والدولية على حد سواء. نضال التنظيمات المختلفة لم تحقق أي إنجازات سياسية ولم تعزز الدعم الشعبي، بل بالأساس أدت إلى دمار ومعاناة الفلسطينيين.
أيضا مسار المفاوضات، بدءا باتفاقات أوسلو ومرورا بمحادثات كامب ديفيد ولجنة طابا وانتهاء باقتراحات رئيس الحكومة السابق اهود أولمرت، لم تثمر عن أي تقدم مهم. ففي كل مرة كان يظهر فيها أن اللحظة التي بالإمكان فيها إقامة الدولة الفلسطينية تقترب، كانت تحدث أزمة داخلية أو خارجية تدفن هذه الفرصة.
الرجل الثالثة، التي ارتكزت على الإيمان بالمجتمع الدولي، مثل قرارات الأمم المتحدة والمحاكم في لاهاي والضغط الدبلوماسي من الدول الأوروبية والقنوات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان، هي أيضا تآكلت في واقع الاستقطاب الدولي والمصالح الإقليمية وتفضيل مواضيع أخرى. السعي إلى العدل من قبل الجهات الدولية أصبح مسرحا للتضامن الفارغ، الذي فيه الفلسطينيون مرة تلو الأخرى يجدون أنفسهم يقفون وحدهم على المنصة.
أيضا في إسرائيل، رغم محاولة نشطاء ومفكرين وثلة من سياسيي اليسار العميق، لا يوجد الآن أي اقتراح حقيقي لبديل. القيادة الرئيسية في إسرائيل تثبت الوضع القائم، وتستفيد من التسليم الإقليمي بسياستها، ولا ترى أي حاجة حقيقية للبحث عن حل دائم. الاحتلال أصبح شفافا، وتوقف عن خلق الشعور بالإلحاحية والتواجد في الخطاب العام. "الآن انتهت حملة نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين"، قال عضو الكنيست تسفي سوكوت (الصهيونية الدينية). "100 قتيل في اليوم لا يزعج أي أحد، حتى لو كان الأمر يتعلق بالنساء والأطفال".
الصورة التي تظهر الآن من الميدان تبين أن الفلسطينيين عالقين في مثلث برمودا سياسي. الكفاح المسلح لم يؤد إلى أي نتائج، المفاوضات فشلت، والدبلوماسية بقيت بلا أسنان. كل قناة كان يمكن من خلالها ذات يوم تخيل مستقبل مختلف، تم إغلاقها. العالم العربي انتقل إلى أجندة جديدة، المجتمع الدولي ينشغل بنفسه، وإسرائيل تستمر في ترسيخ سيطرتها الفعلية ونظام الابرتهايد في الضفة الغربية والدفع قدما بخطة الترانسفير في غزة من دون دفع أي ثمن سياسي لذلك، أو أن يتم تهديدها بأداة ضغط يمكن أن تجعلها تغير الاتجاه.
الشعور بالعجز في أوساط الفلسطينيين غير جديد، لكن خلافا للسابق هو أصبح شعورا غير مؤقت، بل جزءا لا يتجزأ من الواقع. ومثلما في أي أزمة عميقة، فإن الوضع الحالي أيضا يمكن أن يؤدي إلى استيقاظ لا يمكن توقع أبعاده وتداعياته. ولكن الشعب الفلسطيني ينظر الآن إلى تحطم أهدافه الاستراتيجية، من دون حلم أو ظهر، وبقي مع سؤال واحد صارخ وهو إلى أين؟.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق