العُمانية: تسعى سلطنة عُمان والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية إلى الارتقاء بالعلاقات الأخوية التي تربط البلدين الشقيقين، الممتدة لأكثر من نصف قرن، وتشهد تطورًا ملحوظًا ومستمرًا في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، ومشروعات الطاقة المتجددة والبتروكيماويات والزراعة الصحراوية والتكنولوجيا والسياحة وغيرها من المناحي الأخرى الواعدة.
وتتميز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين بتوافق الرؤى والمواقف المشتركة في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، بما يخدم مصالحهما، ويُسهم في تعزيز العمل العربي المشترك، ودعائم الأمن والسِّلم والاستقرار في المنطقة والعالم، ودعم الجهود الرامية إلى ترسيخ التوجهات السّلمية من خلال إرساء قواعد القانون الدولي، واحترام الشرعية الدولية، ومبادئ العدل والإنصاف.
وتأتي زيارة "دولة" لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظهُ اللهُ ورعاهُ - غدًا إلى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الشقيقة، ولقاؤه بأخيه فخامة الرئيس عبدالمجيد تبون، لتؤكد ترسيخ العلاقات والروابط والصلات الأخوية الوثيقة التي تجمع بين البلدين وقيادتيهما الحكيمتين وشعبيهما الشقيقين.
وقد قام فخامة الرئيس الجزائري بزيارة "دولة" إلى سلطنة عُمان في أكتوبر الماضي، تم خلالها عقد مباحثات رسمية سادتها روح الأخوة والتفاهم، والحرص على مواصلة تطوير التعاون الثنائي في شتى المجالات، بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، وما يعكس العلاقات والصلات الأخوية التاريخية الراسخة.
كما تم التوقيع على 8 مذكرات تفاهم في قطاعات متنوعة، شملت مجالات ترقية الاستثمار، وتنظيم المعارض والفعاليات والمؤتمرات، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والبيئة والتنمية المستدامة، والخدمات المالية، والتشغيل والتدريب، والإعلام، ومبادرة إنشاء صندوق استثماري عُماني جزائري مشترك، تتم من خلاله إقامة شراكات ومشروعات في مجالات الطاقة المتجددة والبتروكيماويات والزراعة الصحراوية والتكنولوجيا والسياحة وغيرها من المجالات الأخرى الواعدة.
توثيق العلاقات الثنائية
وقال سعادة السفير سيف بن ناصر البداعي، سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية: إن زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه اللهُ ورعاه - إلى الجزائر هي أول زيارة "دولة" على المستوى الثنائي لسلطان عُماني للجزائر.
وأضاف سعادته: لهذا لا بد من التأكيد على الأهمية الكبيرة لهذه الزيارة التي تأتي في سياق تطور استثنائي في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، لما ستحققه من ثمار لتعزيز التعاون بين البلدين مستقبلًا بفضل رؤية وتوجيهات قيادتي البلدين الشقيقين، وسبق أن رأينا حرصهما التام وإرادتهما القوية لتوثيق العلاقات الثنائية على جميع المستويات من خلال القرارات التي اتخذتاها في زيارة "دولة" قام بها فخامة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى مسقط العام الماضي.
وحول التعاون الاقتصادي والاستثماري، أكد سعادته السعي لخطوة أكبر للتعاون الاقتصادي والاستثماري للارتقاء إلى مصاف العلاقة التاريخية التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين من الناحية السياسية، حيث إنه تحقق للبلدين في الآونة الأخيرة الكثير من الإنجازات على أرض الواقع، وقد رأينا خلال البيان المشترك مباركة القائدين لـ"مبادرة إنشاء صندوق استثماري عُماني - جزائري مشترك" ستتم من خلاله إقامة شراكات ومشروعات ثنائية في مجالات الطاقة والبتروكيماويات والتعدين والزراعة الصحراوية والصناعة الصيدلانية والتكنولوجيا والسياحة وغيرها من المجالات الواعدة التي تركز الحكومتان الجهود عليها في خططها المستقبلية. وفي هذا الإطار، زار وفد وزاري عُماني الجزائر في شهر فبراير الماضي، ضم عددًا من الوزراء المعنيين بالشأن الاستثماري والصحة والثروة السمكية والزراعية وموارد المياه، وتم التباحث مع نظرائهم من الجانب الجزائري، والاطلاع الميداني على التجارب الجزائرية والامتيازات الاستثمارية من الجانبين، وسنرى ثمار هذه الزيارة في المستقبل القريب.
وأشار سعادته إلى أن وفدًا جزائريًا قد زار سلطنة عُمان في شهر أبريل الجاري لبحث تعزيز التعاون القائم في مجال النقل واللوجستيات، والاطلاع مباشرة على الإمكانات المهمة وفرص الاستثمار من خلال زيارته الميدانية إلى المنطقة الصناعية الحرة وميناء صلالة.
وأوضح أن هذه المعطيات التي ستكشف عنها الأيام المقبلة تجعلني متفائلًا جدًا بمستقبل الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
وفيما يتعلق بالأعمال المقبلة في هذا السياق بين البلدين، بيّن سعادته أن هناك خارطة طريق واضحة، وتفاوضًا في عدد من المجالات بين شركات عُمانية ونظيراتها الجزائرية في قطاعات واعدة، أخذت مسارًا مُتقدمًا في التباحث للشراكة.
وتطرّق سعادته إلى أن عدد الشركات المسجلة التي بها إسهام جزائري حتى نهاية عام 2023م بلغ (423) شركة، مقابل (251) شركة في عام 2022م، أي بنسبة نمو بلغت (68.5%).
وفي مجال التعاون الثقافي والسياحي والأكاديمي، تحدث سعادته أن سلطنة عُمان تحرص على تعزيز التعاون في هذه الجوانب بصورة أكبر في المرحلة المقبلة، وقال: بلادنا لديها "رؤية عُمان 2040" وهي رؤية متكاملة تشكل البوصلة الأساسية للتطلعات العُمانية على جميع الأصعدة التي ذكرتها وغيرها، ونحن في الخارجية العُمانية نضع هذا نصب أعيننا، لذلك نسعى للتركيز على متطلبات كل مرحلة من هذه الرؤية في أي خطة نقوم بإعدادها، وبالنسبة للثقافة والفنون والتراث والسياحة، هي مسائل مرتبطة بشكل وثيق بالصورة التاريخية والحضارية لسلطنة عُمان، ونأمل دائمًا أن نعزز الوجود العُماني في مختلف المجالات الثقافية التي تزخر بها بلادنا، كما زار وفد عُماني من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية الجزائر نهاية العام الماضي في إطار البرنامج التنفيذي الموقع في هذا المجال في اجتماع اللجنة المشتركة الأخير بالجزائر، كما توجد مشاركات عُمانية في مهرجان الفيلم العربي لمدينة وهران ومختلف النشاطات المسرحية التي تحتضنها المسارح الجزائرية الجامعية والعامة، وهذا كله يصب في الوجود الثقافي العُماني بالجزائر الذي لم يعد ينحصر في المعرض الدولي للكتاب، والأمر سيّان بالنسبة للوجود الجزائري بسلطنة عُمان، فهناك زيارات ومشاركات ملحوظة للمثقفين الجزائريين في مختلف النشاطات العُمانية، وهناك مساعٍ حثيثة لتعزيز وجود الطلبة العُمانيين بالجامعات الجزائرية عبر رفع عدد المنح، ونعمل على ذلك منذ عامين، والحمد لله بدأت ثماره تظهر مع بداية الموسم العلمي الجاري.
وأوضح سعادة السفير سيف بن ناصر البداعي، سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، دور اللجنة العُمانية الجزائرية في التنسيق والدفع بملفات الشراكة منذ بدايتها في تسعينيات القرن الماضي بين البلدين، وكُللت جهودها عبر ثماني دورات كانت آخرها في العاصمة الجزائرية في شهر يونيو الماضي بالتوقيع على عشرات الاتفاقيات التي شملت تقريبًا كل المجالات الحيوية، وهذا الأمر يُعزّز شراكة البلدين بشكل واقعي، ويجعل الرؤية المستقبلية أكثر وضوحًا لتأطير وتطوير فرص التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وهناك مذكرات أخرى مثل تلك المتعلقة بالاستثمار والتجارة والتعليم العالي، وقد بدأ العمل بها مباشرة، ونعمل على تكريسها على أرض الواقع عبر مشروعات أخرى تكون في شكل برامج تنفيذية تُسهم في إضفاء الديناميكية التي نعمل عليها في هذه المرحلة لبناء علاقة استراتيجية للمستقبل القريب.
التعاون الاقتصادي والاستثماري
وقال سعادته: إن من فرص تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري مع الجزائر في المرحلة المقبلة الإسهام في بناء علاقة استراتيجية تعود بالخير على البلدين والشعبين الشقيقين، وهناك فرص واعدة في الجزائر للقطاع الخاص العُماني للنظر فيها، وفي المقابل توفر سلطنة عُمان بيئة جاذبة للمستثمر الجزائري، وينتظر خلال الزيارة السامية استكمال المشروعات التي تم الإعلان عنها في البيان الختامي، خصوصًا في ضوء المناخ والفرص الاستثمارية المُشجّعة من الجانبين لرجال الأعمال للاستثمار والتعاون.
وأكد سعادته أهمية التنسيق المشترك بين سلطنة عُمان والجزائر في القضايا الإقليمية والدولية، موضحًا أن سلطنة عُمان لديها رؤية واضحة ومكانة مميزة في المحافل الدولية، وأن الجزائر بلد له مكانة ولديه وزنه الإقليمي والدولي، لذلك كان من أهم مخرجات زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى سلطنة عُمان، وقبلها في الاجتماع الأخير للجنة العُمانية الجزائرية المشتركة في يونيو 2024، أن البلدين أكدا ضرورة توحيد الصف العربي والجهود في وجه التحديات التي تواجه المنطقة العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة.
الفرص الاستثمارية المشتركة
وأوضح سعادة فيصل بن عبدالله الرواس، رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان، أن زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - إلى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الشقيقة تعد خطوة تاريخية مهمة تعكس عمق العلاقات الثنائية بين سلطنة عُمان والجزائر، مؤكدًا أن الزيارة تفتح آفاقًا جديدة للتعاون بين البلدين في شتى المجالات، خاصة في القطاعات التجارية والاقتصادية التي تُعد حجر الزاوية للنمو والتقدم المشترك.
وقال سعادته: إن العلاقات التجارية بين سلطنة عُمان والجزائر شهدت تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه الزيارة الكريمة لجلالة السلطان المعظم تمثل مرحلة جديدة من التعاون الوثيق والمستدام بين بلدينا، حيث سيتاح للطرفين استكشاف مزيد من الفرص الاستثمارية المشتركة، مشيرًا إلى أن غرفة تجارة وصناعة عُمان تؤمن بأهمية هذه العلاقات في دفع عجلة الاقتصادين العُماني والجزائري نحو آفاق أرحب، بما يتماشى مع رؤية كلا البلدين في تحقيق التنمية المستدامة.
وأوضح سعادته أن زيارة جلالة السلطان المعظم إلى الجزائر تركز على ضرورة تعزيز التعاون في العديد من القطاعات الحيوية، مما يعكس التوجه الاستراتيجي لتعميق التعاون التجاري والاقتصادي بين الجانبين، كما أن هذه الزيارة ستفتح المجال أمام أصحاب وصاحبات الأعمال والمستثمرين من كلا البلدين لتبادل الخبرات وتعزيز التعاون في المشروعات الاستثمارية الكبرى التي تُسهم في تحقيق الفائدة المتبادلة.
وأشار سعادته إلى أنه، وفي إطار زيارة "دولة" قام بها فخامة الرئيس الجزائري إلى سلطنة عُمان في أكتوبر الماضي، تم التوقيع على ثماني مذكرات تفاهم بين حكومتي سلطنة عُمان والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لتعزيز التعاون في عدة مجالات حيوية مثل التعليم العالي، والبحث العلمي، والخدمات المالية، والإعلام، والتنمية المستدامة، مما يعكس الالتزام بتعزيز التعاون الثنائي في العديد من المجالات الحيوية، ويمثل خطوة مهمة نحو توسيع آفاق الشراكة بينهما.
وأضاف سعادته: إن هذه الزيارات تعد من العوامل الأساسية في تطوير العلاقات الاقتصادية، وتعزيز التعاون التجاري، معربًا عن يقينه بأن هذه الزيارة ستكون نقطة انطلاق جديدة لمزيد من التقدم والازدهار في العلاقات بين سلطنة عُمان والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، متطلعًا إلى رؤية مزيد من التعاون المثمر في الفترة المقبلة، خاصة أن غرفة تجارة وصناعة عُمان تعمل على توفير كل الدعم والموارد الممكنة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين الشقيقين، لتحقيق التوسع في التبادل التجاري، وتعزيز الاستثمارات المشتركة في كلا الجانبين.
التبادل التجاري
وتشير البيانات المبدئية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان والجزائر قد ارتفع في عام 2024 بنسبة تقارب الـ48 بالمائة، حيث بلغ 62 مليونًا و988.2 ألف ريال عُماني، مقارنة بـ41 مليونًا و417.2 ألف ريال عُماني عام 2023.
وأوضحت البيانات أن إجمالي الصادرات العُمانية إلى الجزائر قد بلغ في عام 2024 نحو 62.3 مليون ريال عُماني، فيما بلغت الواردات العُمانية من الجزائر في عام 2024 نحو 707.9 ألف ريال عُماني.
وبلغ إجمالي عدد الزوار الجزائريين القادمين إلى سلطنة عُمان عبر جميع المنافذ 5222 زائرًا عام 2024، مقارنة بـ4856 زائرًا عام 2023، بنسبة ارتفاع قدرها 7.5 بالمائة.
وتعد شركة "سوجكس عُمان" -إحدى الشركات العُمانية التي تعمل في مجال الكهرباء والمياه- أول شركة عُمانية تستثمر في الجزائر عبر الاستثمار في مجال تطوير محطات الكهرباء والمياه، تمثّل في تنفيذ أول محطة كهرباء في الجزائر "محطة أرزول" للكهرباء والمياه في عام 2004.
وأوضح الدكتور صهيب أبودية، الرئيس التنفيذي لشركة "سوجكس عُمان"، أن تشغيل "محطة أرزول" التي نفذتها الشركة مرّ عليه أكثر من 20 عامًا، وتسعى الشركة حاليًا إلى الاستثمار في مجال تطوير محطات أخرى مثل محطة "ترجا" ومحطة "كوديت" بالشراكة مع حكومة الجزائر، مشيرًا إلى أن الشركة قامت بإنشاء شركة الجزائر للصيانة والتشغيل في إطار هذه الشراكة المتخصصة في قطاع الكهرباء.
وأكد أن حجم استثمارات الشركة بالجزائر تجاوز 150 مليون دولار أمريكي، مُبينًا أن هناك توسعًا وتنوعًا في الاستثمارات بشكل أكبر في المرحلة القادمة، وخاصة في مشروعات التحلية.
ونجحت مجموعة سهيل بهوان في عام 2008 في الدخول في شراكة استراتيجية مع مجمع "سوناطراك" الجزائري عبر تأسيس الشركة العُمانية الجزائرية للأسمدة، التي قامت بتنفيذ مجمع اليوريا بتكلفة بلغت 3 مليارات دولار أمريكي، ويضم وحدتين صناعيتين لإنتاج الأمونيا واليوريا بطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ 4000 طن يوميًا من الأمونيا و7000 طن يوميًا من اليوريا في مرسى الحجاج أرويو بالجزائر.
وأوضح سالم بن سعد بهوان، الرئيس التنفيذي للمؤسسة العُمانية التجارية، أن مجموعة سهيل بهوان تملك 51 بالمائة من أسهم مجمع اليوريا الذي تم افتتاحه في عام 2014، مشيرًا إلى أن هناك توجهًا لتوسيع قدرة مصنع الأمونيا والدوريات بنسبة تصل إلى 50 بالمائة.
وقال: إن الشركة العُمانية الجزائرية للأسمدة تسهم في تطوير الصناعة البتروكيمياوية، وتعزيز الأمن الغذائي في الجزائر عبر توفير الأسمدة الضرورية لدعم القطاع الزراعي، فضلًا عن دعم الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات من خلال تصدير منتجاتها إلى الأسواق العالمية.
وأشار سالم بن سعد بهوان إلى أن مجموعة سعد بهوان ستستثمر في الجزائر من خلال إقامة مصنع لتجميع وتصنيع السيارات بالشراكة مع شركة "هيونداي" الكورية لصناعة السيارات، مؤكدًا أن المشروع قطع شوطًا كبيرًا لإقامته، وتم تحديد موقع المصنع، وجارٍ حاليًا دراسة التكلفة الإجمالية للمشروع.
0 تعليق