قلم في كف الدولة.. لا ليكسر بل ليرفع

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
د. سهير بنت سند المهندي

في ظل تحولات العصر الرقمي وتحدياته المتسارعة، تضع مملكة البحرين بصمة تشريعية مضيئة عبر مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام والنشر الإلكتروني، الذي يُعدُّ علامة فارقة في مسيرة الإعلام الوطني، وخطوة ناضجة باتجاه ترسيخ دولة القانون، وتعزيز الحريات الصحفية، وصون حقوق من نذروا أنفسهم لحمل الكلمة الصادقة، ونقل الحقيقة وتنوير العقول، كجزء أصيل من المنظومة الحقوقية للمجتمع البحريني.

في لحظة مفصلية من تطور الدولة الحديثة، وبين تقاطع التحولات الرقمية وتحديات الحريات، تمدّ مملكة البحرين كفّها لا لتكسر القلم، بل لترفعه، وتضعه في مكانه الطبيعي: شريكاً في البناء، وصوتاً للمجتمع، وجسراً بين المواطن والحقيقة.

من هنا، ينبثق مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام والنشر الإلكتروني، لا كوثيقة بيروقراطية، بل كإعلان وطني عن نُضج الدولة، ودورها في صناعة الوعي العام، إنه قانون لا يطارد الصحفي، بل يحميه، لا يُحاصر الكلمة، بل يؤمن بقدرتها على الإصلاح والنهوض، هذا القانون ليس مجرّد تشريع عابر؛ بل هو امتداد لمسيرة من الكفاح من أجل حرية التعبير، ومرآة تعكس التزام البحرين بدولة القانون، وحرصها على ترسيخ منظومة إعلامية تحترم الإنسان، وتحفظ كرامته، وتضع أدواته — من قلم وعدسة وصوت — في كفّ الدولة لا لتُقصى أو تُجرَّم، بل لتُحمى وتُكرَّم، إنها لحظة ليست عابرة في دفتر القوانين، بل نبض صادق من قلب الدولة إلى قلب الصحفي، تقول له:«لقد حان وقتك لتُحتضن لا لتُدان، ولتُصان لا لتُقصى، فقلمك ليس تهديداً، بل وعداً بمستقبل أوضح».

يمثل إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر الصحفي، واستبدالها بالغرامات، تحولاً لافتاً في الفلسفة التشريعية البحرينية تجاه حرية الرأي والتعبير، هذا التعديل ليس مجرد بند قانوني صامت؛ بل هو إعلان ناضج عن انفتاح الدولة على تطلعات الصحفيين والمواطنين، وتأكيد على أن الكلمة، متى ما التزمت بالمهنية، لا تُواجَه بالقيد، بل تُحتفى بها بالحوار والعدالة.

لقد جاءت هذه الخطوة كترجمة عملية لاهتمام البحرين المتواصل بحقوق الصحفيين، وحرصها على تمكينهم من أداء رسالتهم التنويرية في أجواء من الأمان القانوني والدستوري. جاء مشروع هذا القانون ليحتضن الواقع، ويواكب العصر، فكان الاعتراف بالإعلام الإلكتروني كأحد روافد الإعلام الرسمي، وإدراجه ضمن القانون الجديد، تجسيداً لقدرة البحرين على مواكبة التحول الرقمي بإرادة مرنة ومتفهمة، لا قمعية ولا ارتجالية، التنظيم هنا ليس تكميماً بل صيانة، وليس تضييقاً بل احتضاناً، وليس حكماً بالإقصاء، بل بطاقة عبور إلى مساحات أرحب من الحرية والمهنية.

ويُحسب للجهات المختصة، وعلى رأسها وزارة الإعلام، تواصلها الجاد مع أطياف المجتمع الإعلامي والحقوقي، واستماعها لآراء الجمعيات، والصحف، والناشطين، مما أضفى على المشروع بُعداً تشاركياً يليق برؤية وطن يكتب قانونه بالشورى لا بالإملاء.

فالصحافة في البحرين لم تكن يوماً طارئة أو دخيلة على ضمير الوطن؛ بل كانت وما زالت إحدى ركائز الوعي الوطني منذ بدايات التأسيس. والقانون الجديد يأتي امتداداً لهذا التاريخ ليحفظ للصحفي مكانته ومكانه، ليكون في قلب المنظومة الحقوقية، مؤكداً أن حماية الصحفي ليست منحة، بل واجباً، وأن دوره الرقابي ليس ترفاً، بل دعامة أساسية لدولة القانون والمؤسسات.

إن استبدال مصطلحات مثل «تأديب» بـ«مساءلة»، وإلغاء الحبس الاحتياطي، وإنشاء مسارات قضائية مدنية للنظر في قضايا الإعلام، كلها خطوات تنبع من احترام راسخ للكرامة الإنسانية، ومن إيمان بأن الدولة تتعامل مع الصحفيين كشركاء في البناء.

في عالم تتسارع فيه القيود تحت شعارات التنظيم، تُثبت البحرين أنها اختارت الانفتاح بعقلانية، فمن حق البحرين أن تفخر... ومن حق الصحفي أن يطمئن، ومن حق الكلمة أن تُقال، لا لتُدان، بل لتُصنع بها الأوطان.

اليوم، يكتمل مشهد الانتصار للكلمة الحرة في البحرين، لا بالشعارات، بل بنص قانوني عصري، يواكب الواقع، ويُشرّع أبواب المستقبل لأجيال من الصحفيين، ليواصلوا دورهم الوطني، بكامل أدواتهم وحقوقهم، تحت مظلة القانون، وثقة الدولة، واحترام المجتمع.

إعلامية وباحثة أكاديمية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق