بدر علي قمبر
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت». وقال تعالى: «أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم، بل ورسلنا لديهم يكتبون». إن المتأمل لأحوالنا اليوم يُدرك يقينًا المخاطر التي تترتب عليها كثرة الأقاويل، والقيل والقال، والفتن التي تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، أو في المجالس، أو في الأعمال، أو في البيوت، وكلها مؤشرات خطيرة تؤدي في أغلب الأحوال إلى مخاطر النفور والتضاد في العلاقات، وإلى زرع الشك والريبة في جميع المواقف، والتي تنطلق من منبع عدم الإحساس، وإساءة الظن، والتجسس النابع من عدم الثقة بالآخرين. يقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن، إن بعض الظن إثم، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً». ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث». هناك نفوس تتعامل بمثل هذه الأساليب التي تمثل خطورة في بقاء «ملامح المحبة» في العلاقات، بل وتساهم في نشر الضغينة والفتن، التي لربما تمتد لفترة طويلة، فلا مناص حينها من إيجاد العلاج الناجع.
وعندما نتحدث عن الصمت، فإنما نتحدث عن أسلوب جميل لقوة النفس، والتغافل، والتأمل، وإعطاء الفرصة للآخرين للتعبير عن مكنون مشاعرهم، والتي لربما أفصحوا من خلالها بحقيقة ما يحملونه في نفوسهم. الصمت أسلوب حكيم، يبعدك عن المهاترات والمشاحنات، وعن الخوض في متاهات الجدل العقيم، الذي لربما يخسرك نفسك وقوة تحمّلك. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء وإن كان مُحقًا». هنا تأتي الحكمة، وقدرة النفس على ضبط مشاعرها وأقاويلها عندما تواجه بعض النفوس العنفوانية، والتي تزرع الشك أينما كانت. الصمت يعطيك فرصة لكي تراجع حساباتك، وتضع حدًا للعديد من العلاقات والمواقف، من أجل أن تحافظ على «صحتك النفسية والجسدية»، وتحافظ على منهجك ومبادئك التي تعلمتها ونشأت عليها، والتي تمثل سمتك وأخلاقك، وتؤمن حينها بالرسائل الربانية التي لولاها لعشنا في تيه.
الصمت قوّة وتأمل وإحساس، يجعلك تعيش المواقف بإحساس، وتعدل من أسلوبك، حتى تسير في «مسير الحياة» بأمن وطمأنينة وسكينة وإنجاز.
قابلته منذ أيام ليسأل عني وعن أحوالي، وأحسست بأن هناك شيئاً ما يدور في خلده، فبدأ يسأل عن ملامح «الأثر» الذي رفعتُ شعاره في حياته، وملامح «ويبقى الأثر» التي اتخذتها رسالة في أسلوبي. ولأنه عاشرني في حقبة ما، وعرف سر الإحساس بالمحبة التي تجمعنا، وعرف معاني العطاء الذي تبادلناه معاً، والأسلوب الجميل الذي أدرنا من خلاله مشروعات الحياة، وكانت بصمة أثر جميلة ورائعة في المجتمع وفي نفوس الآخرين، فقد قدم لي بعض المشاعر والأحاسيس التي أثرت في نفسه، وذكرني بأن الحياة هي كما هي لم تتغير، والواجب علينا أن نسير فيها بثبات، وبرسالتنا التي حملناها من قبل، وأن نتغافل عن المزعجات، ونقوم أنفسنا، وننهض من جديد كلما اعترتنا أعاصير الحياة المُرهقة. يقابلني بإحساس مُرهف، وعرف أن هناك شخوصاً في الحياة، لا تعرف قيمتهم إلا إذا فقدتهم، فهم يمثلون قامات خير وإحسان ونجاح، تعلمت منهم الكثير، وعشت معهم أجمل لحظات الإنجاز والنجاح. وأكثر ما أسعد صاحبي كما قال، هي تلك الدعوات الصادقة من أولئك الذين تعاملنا معهم بإحسان، ووقفنا بجانبهم في فترات مضت، وأصلحنا ثقوب حياتهم، وأضحوا اليوم بلسماً شافياً للآخرين، كما تعلموه من قبل، وهو الأثر المُستدام الذي ينتقل للآخرين، كلما أحسنتَ صنيع الإحسان معهم. وكل ذلك بفضل الله تعالى.
قال تعالى: «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون».تظلم نفسك أحياناً عندما تنزعج من بعض المواقف، وتنزعج من بعض الابتلاءات والمحن والمواقف العصيبة، ولكنها ـ بحمد الله تعالى ـ رسائل ربانية واضحة بأنك اليوم على أعتاب تجديد إيمانك ويقينك بأقدار الله تعالى، وبما يكتبه لك، فلا تحزن، فإنما الحزن هو من الشيطان الرجيم. ولذلك استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال». الرسالة إيمانية وهي نعمة من الله تعالى، بأن عليك أن تعود إليه في كل ابتلاء، حتى تقوى في الشدة والرخاء، وترضى بما يكتبه الله لك في مسيرك. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيراً له». كن على يقين بأنك على خير دائماً مع أقدار الحياة، وتعامل معها بطمأنينة قلب المسلم، وسكينة نفسه، وإقباله على ربه بالدعاء الصادق.
ومضة أملتذكر دائماً وصية النبي صلى الله عليه وسلم: «من استوى يوماه فهو مغبون». لذا كن على موعد للتغيير والعطاء في كل مناحي حياتك، في كل يوم تعيشه.
0 تعليق