منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، تحوّلت الأراضي السورية إلى واحدة من أكثر البقاع دموية في العصر الحديث، وبعد سقوط النظام السوري بدأ الكشف عن بعض هذه المقابر الجماعية، التي تضم آلاف الجثث مجهولة الهوية، أغلبها لضحايا التعذيب، أو القصف العشوائي، أو الإعدامات الميدانية. هذه المقابر، التي قُدِّر عددها المحتمل بأكثر من 200، لم تعد مجرد مشاهد مأساوية، بل وثائق دامغة على عمق الكارثة السورية.
بدايات الجريمة: دفن بلا أسماء ولا وداع
منذ السنوات الأولى للنزاع، بدأ توثيق حالات دفن جماعي في أماكن مثل حرستا، صيدنايا، تدمر، درعا، ودير الزور. لم تكن هذه القبور مجرد وسيلة للتخلص من الجثث، بل كانت جزءًا من سياسة منظمة لإخفاء آثار الانتهاكات. كثير من الضحايا كانوا من المعتقلين السياسيين الذين قضوا تحت التعذيب، أو مدنيين سقطوا خلال قصف عنيف لمناطق المعارضة.
«حفّار القبور» وشهادات الرعب
واحدة من أبرز الشهادات جاءت من موظف سابق في أجهزة النظام، أُطلق عليه لقب "حفّار القبور"، أكد فيها دفن الآلاف كل أسبوع من سجن صيدنايا، باستخدام الجرافات، وبدون أي توثيق أو مراسم. شهادته شكلت مادة رئيسية أمام لجان الأمم المتحدة، وأعادت تسليط الضوء على حجم الجرائم المرتكبة خلف الجدران المغلقة.
«سائق الموت»: الشاحنات التي حملت الكارثة
شاهد آخر، كان يعمل سائقًا لشاحنة تابعة لجهاز أمني، كشف كيف كان يُطلب منه نقل مئات الجثث أسبوعيًا إلى مقابر سرية، الجثث كانت مرقّمة فقط، وبعضها لأطفال ونساء. هذا النموذج تكرر في عدة مناطق تحت سيطرة النظام، ما يشير إلى وجود سياسة ممنهجة لا مجرد تجاوزات فردية.
المقابر في الشمال والجنوب
بعد سقوط النظام ظهرت في مناطق الشمال السوري مثل إدلب وأجزاء من درعا مقابر جماعية تحتوي على جثث مدنيين، بعضهم مكبل الأيدي أو معصوب العينين. هذه الاكتشافات دفعت جهات حقوقية للمطالبة بتشكيل لجان تحقيق دولية لمعاينة المواقع.
جرافات لدفن المدنيين
شهادات متعددة أكدت استخدام جرافات لدفن عشرات أو مئات الجثث دفعة واحدة، في عمليات أشبه بطمس الأدلة. لم يُسمح بتوثيق الضحايا أو إبلاغ ذويهم. هذا الأسلوب لم يكن إلا استمرارًا لنهج الإخفاء، حيث تتحول الجريمة من القتل إلى محاولة محو أي أثر لها.
0 تعليق