البطالة والشباب.. والأرقام الصادمة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

في خضم الوحشية الإسرائيلية غير المسبوقة تجاه الأبرياء في غزة، والتي تجاوزت كل المعايير الأخلاقية والإنسانية والقانونية، ومع تصاعد الغرور الاستعماري النازي الذي يقوده نتنياهو وزمرته، وتفاقم معاناة الناس هناك من الجوع والعطش وغياب الدواء والمأوى، فإن محاولة المساعدة والتعاطف يملأ وجدان كل أردني، ابتداء من جلالة الملك وولي عهده، نزولا إلى أصغر طفل في بلدنا العزيز.اضافة اعلان
ومع هذا لا يستطيع المرء أن يتجاهل التقرير السنوي لدائرة الإحصاءات العامة للعام 2024 وما فيه من أرقام. إذ يذكر التقرير بأن معدل البطالة خلال عام 2024 بلغ 21.4 %. وهو لدى الذكور 18.2 % في حين انه لدى النساء 32.9 %. ولدى الشباب من الجنسين 46.2 %. والمتتبع للأرقام يلاحظ أن معدل البطالة لدينا ما يزال مرتفعاً منذ سنوات ويتعدى 4 أضعاف المعدل العالمي والذي بلغ 4.96 % عام 2024، في حين أن معدل البطالة في الاتحاد الأوروبي 6.2 %، وفي العالم العربي أقل من 12 % أو ما يقرب من نصف معدل البطالة لدينا. من جانب آخر فإن البطالة لدى النساء هي في صعود مستمر، حيث كان معدلها 31 % عام 2017 وارتفع بمقدار 1.9 % خلال السنوات السبع الماضية.
إن ما يدفع إلى الكتابة في نفس الموضوع المرة تلو المرة، ليست الرغبة في التكرار، وإنما أسباب رئيسية خمسة: 
الأول: أهمية الموضوع وتأثير البطالة على الأمن الاقتصادي والأمن المجتمعي في الدولة والأمن النفسي للمواطن. 
الثاني: إن استمرار الحالة لسنوات طويلة، وقبل أحداث غزة، يثير تساؤلات حول رؤية المشكلة وصوابية أسلوب المعالجة.
الثالث: إن فئة الشباب من الذكور والإناث هي الأكثر تأثرا ومعاناة من البطالة، وبالتالي الأكثر عرضة لليأس والاحباط والانسياق في تيارات الجريمة والمخدرات والتطرف والتمردات السياسية والتفكك العائلي. 
الرابع: إن استمرار ارقام البطالة بمثل هذا الارتفاع لعدة سنوات متتالية من شأنه ان يدفع بشرائح عديدة من المجتمع الى حالة الفقر، واليوم لدى صندوق المعونة الوطنية طلبات من 35 ألف أسرة تنتظر شمولها بالمساعدات. هذا إضافة إلى استمرار تآكل الطبقة الوسطى المحرك الرئيسي للتغيير والنهوض. 
خامساً: إنه في الوقت الذي يعاني فيه الأردن من نسبة البطالة المرتفعة فإن لدينا عمالة وافدة (مع الاحترام) باعداد كبيرة تتعدى 1.1 مليون عامل، وفي نفس الوقت ما يزال الطلب على العمالة الوافدة قويا في بعض القطاعات.
ولأن الأردن يدفع باتجاه التحديث الاقتصادي ويبذل كل الجهود المشكورة في هذا الاتجاه، فإن استثمار ثروته البشرية بأعلى كفاءة وفاعلية تصبح المحرك الرئيسي لهذا التحديث، بافتراض أن التحديث يعني أيضا الارتفاع بمعدلات النمو الاقتصادي والخروج من دائرة النمو 2.5 % التي تتكرر سنة بعد أخرى إلى مستويات متقدمة 5 % أو 6 % أو أكثر، خاصة وأن المقومات الأساسية لمثل هذا الخروج والتغيير موجودة في: العقول والكفاءات والتعليم والمهارات الأردنية وأصحاب الأعمال والصناعات الكبيرة الناجحة والنشاط الاستيرادي الذي يتجاوز 20 مليار دينار مقابل صادرات في حدود 10 مليارات دينار. الامر الذي يستدعي النظر في عدد من النقاط وعلى النحو التالي:
اولاً: إن إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة (جزئياً) لا يمكن تحقيقه بالإجراءات الإدارية فقط. إذ لا بد من دراسة كل قطاع بالتفصيل والنظر في ظروف المهمات من منظور هندسي تكنولوجي وبالتالي وضع البرامج اللازمة لإدخال الآليات التي تساعد على الارتقاء التكنولوجي بالعمل، حتى تصبح المهمة أو الوظيفة جاذبة للعامل الاردني. ونحن نعيش في عصر يمكن استخدام الماكنات  والمعدات المتطورة في كل مجال. 
ثانياً: إن إقامة المشاريع الإنتاجية الجديدة التي تستخدم العلم والتكنولوجيا الحديثة هي البوابة الرئيسية لخلق فرص عمل جديدة وبشكل خاص في المحافظات، وهذا ما نلاحظه في جميع دول العالم. وهنا لا بد للقطاع الرسمي بمؤسساته أن يكون شريكا في مثل هذه المشاريع ولو لفترات زمنية محدودة وبنسب ليست كبيرة.
ثالثاً: إن الشركات المساهمة العامة والتعاونيات وصناديق الادخار والاستثمار وصغار المدخرين هي بمجموعها المحّرك الرئيسي في التمويل الناجز للمشاريع سواء المتوسطة منها أو الكبيرة وليس القروض والمساعدات. 
رابعاً: إن انخفاض مساهمة المرأة في قوى العمل حيث تساهم المرأة لدينا بنسبة 14.9 % للعام 2024 مقابل المعدل العربي 19.4 % رغم التعليم المتاح للاناث لدينا والذي تتفوق فيه المرأة على مستوى المملكة، اذا أضيف ذلك إلى ارتفاع مستوى البطالة لدى المتعلمات من الإناث يعني أن الأردن لا يستثمر من ثروته البشرية الإ أقل من ربع امكاناته. 
خامساً: ان استمرار الفجوة بين انظمة التعليم وخاصة ما بعد الثانوي والجامعي وما بين سوق الإنتاج وسوق العمل أمر تقع مسؤوليته على الجامعات ومجلس التعليم العالي. فلا يجوز أن يستمر التعليم بعيداً عن تدريس مواد مهمة تربط المعهد والجامعة بسوق الإنتاج  والعمل تأتي في مقدمتها: التكنولوجيا الرقمية، ومهارات صنع الاشياء، والريادية، وإدارة المشاريع والثروات الطبيعية في الأردن،
وفرص الاستثمار، وذلك لجميع التخصصات دون استثناء. ولا يجوز أن تستمر الفجوة من البحث العلمي والقطاعات الاقتصادية  والاجتماعية الوطنية، بل ينبغي الاهتمام بالبحوث التطبيقية والتجريبية وعدم الاكتفاء والرضا بالبحوث النظرية المنشورة في مجلات عالمية دون أن تنعكس بعض من آثارها على الاقتصاد الوطني. 
سادساً: إن الشركات الكبرى والبنوك يمكن أن تستثمر جزءا من مخصصات المسؤولية المجتمعية الخاصة بها للمساعدة في تمويل مشاريع إنتاجية تقيمها التعاونيات أو الشركات المساهمة العامة لصغار المستثمرين. ومن الممكن الطلب من الشركات الكبيرة  والمتوسطة أن تساهم في عمليات تطويرية للخدمات الصحية والتعليمية. ولكن الذي يحدث التغيير الفعلي في كل شيء هي المشاريع الانتاجية. 
سابعاً: وضع منظومات مرنة وعالية الكفاءة لخدمات النقل والإسكان والتأمين التعليمي والصحي، وللضمان الاجتماعي لتشجع العامل الأردني على الانخراط في أي عمل طالما يضمن مثل هذه الخدمات.
وأخيراً فإن ارقام البطالة لدينا ينبغي ان تكون صادمة لكل مسؤول على جميع المستويات، ولا بد من وضع برامج محددة للخروج أساسها: الاستثمار في الإنتاج، والتطوير في التعليم، والتشبيك بين القطاعات، والعلم والتكنولوجيا، والمشاركة المجتمعية من خلال صغار المدخرين. وبذلك تتراجع الأزمة بدلاً من ان تراوح مكانها.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق