أيمن شكل
حذّرت دراسة بحرينية حديثة من تهديد وجودي تتعرض له بعض الدول التي قد تختفي بحلول عام 2100، مثل توفالو، ودعت مملكة البحرين لإيداع إحداثياتها البحرية لدى الأمم المتحدة دون نية تحديثها مستقبلاً، مع تسبيب ذلك قانونياً بكونه إجراء احترازياً لمواجهة تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر، بما يشكّل مرجعاً قانونياً ودبلوماسياً في المحافل الدولية عند الحاجة.
وأبرزت الأطروحة الأكاديمية الرائدة الإطار القانوني الدولي لحماية الدول المهددة بالاختفاء؛ بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، وطالبت بإعادة تعريف مفاهيم السيادة والإقليم في القانون الدولي، بينما أوصى المشرفون على الدراسة باعتمادها كوثيقة عمل رسمية لمملكة البحرين.
وفي ظل تفاقم التحديات المناخية، جاءت الأطروحة التي قدمتها الباحثة دلال المشاري، وحصلت من خلالها على درجة الماجستير في القانون العام من جامعة البحرين بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، والموسومة بـ«المسؤولية الدولية عن الأضرار الماسة ببقاء الدولة نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر» لتدق ناقوس الخطر من تداعيات التغير المناخي على وجود الدولة.
وأشارت الباحثة إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر الذي قد يُهدد سيادة الدول الجزرية (مثل توفالو) والمناطق الساحلية المنخفضة (كبنغلاديش) بفقدان إقليمها، مما يطرح تساؤلات حول استمراريتها القانونية في المجتمع الدولي.
ثغرات الاتفاقيات الحالية
وقالت الباحثة إن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (1982) لا توفر حماية كافية للدول الجزرية في حال تغير معالمها الجغرافية، كما أن اتفاقية مونتيفيديو (1933) تُعرف معايير قيام الدولة (إقليم، سكان، حكومة، سيادة)، لكنها لا تُحدد وضع الدول التي تفقد إقليمها.
كما أشارت الباحثة إلى عدم وضوح معايير استمرارية الدولة في اتفاقية مونتيفيديو، وغياب آليات لتثبيت الحدود البحرية للدول الجزرية في ظل التغيرات الجغرافية.
مفاهيم قانونية جديدة
ووضعت دلال المشاري في أطروحتها مفاهيم قانونية جديدة مثل «الإقليم الافتراضي» والذي يقترح الاعتراف بسيادة الدول المغمورة على امتداداتها البحرية السابقة.
ومفهوم «الدولة البحرية» والذي يقترح منح صفة قانونية لحماية الكيانات المهددة بالغرق نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، والتي تفقد أراضيها البرية، ولكن تحتفظ بوجودها السياسي.
وخلصت الأطروحة إلى مجموعة من النتائج والحلول العملية الرائدة، من أهمها: تجميد خطوط الأساس البحرية من خلال تفسير مرن لاتفاقية البحار، بحيث يُعتبر إيداع الإحداثيات البحرية لدى الأمين العام للأمم المتحدة بمثابة نية واضحة لتثبيت تلك الخطوط، في ظل غياب نص صريح يُلزم الدول بتحديثها عند تغيّر معالم الإقليم البري.
ورأت الدراسة أيضاً إمكانية حماية الحدود البحرية من التشكيك عبر إبرام اتفاقيات ثنائية أو جماعية بين الدول المتضررة، تستند إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تمنع إبطال أو تعديل هذه الاتفاقات بسبب تغيّر الظروف.
تكاتف الدول المتضررة
وقدّمت الباحثة من خلال أطروحتها رؤية قانونية متكاملة من خلال جملة من التوصيات على الصعيد الدولي والإقليمي والوطني، من أبرزها: دعوة الدول المتضررة من ظاهرة الغمر البحري إلى التكاتف داخل مؤتمرات الأطراف لصياغة بروتوكول قانوني ملزم يُلحق باتفاقية قانون البحار لعام 1982، ليؤكد على ثبات خطوط الأساس البحرية، ويصنّف ارتفاع البحر كظرف طبيعي استثنائي يتطلب تنظيماً خاصاً، على غرار مناطق الدلتا.
كما طالبت الباحثة دلال المشاري دول مجلس التعاون الخليجي الاقتداء بنهج الدول الأعضاء في جزر المحيط الهادئ بتبني ممارسة إقليمية تضمن تثبيت خطوطها البحرية وعدم التشكيك فيها، حتى بعد تضرر أقاليمها البرية بالغمر.
ودعت الباحثة مملكة البحرين إلى إيداع إحداثياتها البحرية لدى الأمم المتحدة دون نية تحديثها مستقبلاً، مع تسبيب ذلك قانونياً بكونه إجراء احترازياً لمواجهة تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر، بما يشكّل مرجعاً قانونياً ودبلوماسياً في المحافل الدولية عند الحاجة.
من جانبها أكدت لجنة المناقشة على القيمة العلمية للأطروحة، وأوصى الممتحن الخارجي باعتمادها وثيقة عمل رسمية لمملكة البحرين، لما لها من ارتباط وثيق بمصالح المملكة على الصعيد الدولي، لا سيما في ما يتعلق بتبعات تغيّر المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر وتأثيره على الدول الجزرية والدول الساحلية المنخفضة.
وتألّفت لجنة المناقشة من: د.علي عمر المصراتي مشرفاً، ود. لولوة أحمد آل خليفة ممتحنًا داخليًا، وأ.د. محمد زكريا أبو الذهب من جامعة محمد الخامس في المملكة المغربية ممتحناً خارجياً.
هذا وأكدت الباحثة دلال المشاري أن هدفها من هذه الدراسة لم يكن أكاديمياً فحسب، بل إنسانياً ووطنياً في المقام الأول، فكان دافعها وراء الدراسة نابعاً من إحساس وطني، ومن إيمان عميق بأن قواعد المسؤولية الدولية يجب أن تكون أداة لحماية وجود الدول في ظل تبعات ارتفاع مستوى سطح البحر.
0 تعليق