في ظل موجات التسريح التي تشهدها كبرى الشركات العالمية مثل «مايكروسوفت» و«أمازون» و«ميتا» و«إنتويت»، أصبح من الواضح أن مجرد أداء عملك بشكل جيد قد لا يكون كافياً لضمان بقائك في المؤسسة. فقد تفني سنوات أو حتى عقوداً من العمل الجاد وتحقيق التقييمات الممتازة، لتجد نفسك فجأة مصنفاً ضمن «ضعيفي الأداء» وتتعرض لخطر التسريح.
إذاً، كيف يحدث ذلك؟ وكيف يمكنك تجنب الوقوع في هذا التصنيف غير العادل؟
على السطح، يبدو أن مفهوم ضعف الأداء واضح تماماً: عندما ترغب شركة في خفض التكاليف، فمن المنطقي أن تبدأ بالاستغناء عن الموظفين الأقل كفاءة. لكن المشكلة تكمن في العشوائية التي تُدار بها هذه التقييمات أحياناً.
لقد شارك العديد من الموظفين السابقين في شركات كبرى قصصهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث صُدموا بتلقيهم مراجعات سلبية مفاجئة بعد سنوات طويلة من الأداء الممتاز، أعقبها تسريح مباشر. بعضهم عمل لعشر أو عشرين أو حتى ثلاثين سنة دون أي مؤشر على تدني أدائهم، لكنهم وجدوا أنفسهم فجأة ضمن القائمة السوداء.
لا أحد ينكر أن الموظفين الذين يفشلون باستمرار في تحقيق الحد الأدنى من المعايير قد يكونون عرضة للتسريح، لكن الخطر هنا هو الاستخدام الواسع وغير المنصف لهذا التصنيف كذريعة لتقليص عدد الموظفين دون الحاجة إلى إجراءات التسريح التقليدية.
لماذا تلجأ الشركات إلى تسريح «ضعيفي الأداء»؟
تعلم الشركات أن التسريحات الجماعية تضر بسمعتها. وعندما يسمع المرشحون المحتملون أن شركة ما أجرت جولة واسعة من التسريحات، فقد يترددون في التقدم لوظائفها خوفاً من عدم الاستقرار.
لكن تصوير عمليات التسريح على أنها «إقصاء للموظفين غير الأكفاء» يجعل الشركة تبدو قوية. حيث تعطي الشركة انطباعاً بأنها ترفع من معايير الأداء وتطمح لأن تكون الأفضل، ما قد يجذب المواهب عالية الكفاءة.
إضافة إلى ذلك، فإن تسريح الموظفين بدعوى ضعف الأداء يساعد الشركات على تجنب العديد من التعقيدات القانونية. وعلى سبيل المثال، القوانين التي تلزم الشركات بتقديم إشعارات مسبقة قبل عمليات التسريح الجماعي قد لا تنطبق إذا كان سبب الإقالة هو ضعف الأداء. كذلك، فإن تقديم هذه الذريعة قد يقلل من التزامات الشركة المالية فيما يخص مكافآت نهاية الخدمة، وقد يُستخدم أيضاً كحجة قانونية في حال طالت عمليات التسريح الموظفين الأكبر سناً أو أولئك المنتمين إلى فئات محمية قانونياً.
مشكلة آلية تنفيذ هذه التسريحات
إن الشركات الكبرى لديها بالفعل أنظمة لتحديد وإقصاء الموظفين ضعيفي الأداء على مدار العام، حيث تطبق بعضها أنظمة الحصص، التي تتطلب تصنيف نسبة معينة من الموظفين ضمن فئة الأداء الأدنى، ليتم استبعادهم لاحقاً.
ولكن عند الحاجة إلى تخفيض عدد أكبر من الموظفين، فإن الشركات تضغط على مديريها لإيجاد المزيد من ضعيفي الأداء، حتى بعد أن تم التخلص من الأفراد الذين يستحقون هذا التصنيف بالفعل. وهنا تبدأ العشوائية، حيث يتم البحث عن أي أسماء أخرى لإضافتها إلى القائمة. وقد يُنظر إلى بعض الموظفين المخضرمين على أنهم أهداف سهلة لمجرد أنهم كانوا في الشركة لفترة طويلة، أو لأنهم لم يقوموا بشيء استثنائي مؤخراً.
كيف تتجنب تصنيفك كموظف ضعيف الأداء؟
وعندما يحين وقت اتخاذ القرار بشأن من سيتم تسريحه، لا يقوم المديرون فقط بترتيب الموظفين من الأسوأ إلى الأفضل، بل يجتمعون مع زملائهم لمناقشة الأسماء وتقييم مدى تأثير كل فرد.
والسيناريو الأسوأ هو أن يتفق الجميع على تسريحك دون تردد. وقد يكون ذلك بسبب أخطاء مرئية ارتكبتها، أو خلافات أحدثتها، أو سمعة سلبية اكتسبتها في الفريق. وبمجرد أن يتم تصنيفك على هذا النحو، فإن التخلص من هذا التصنيف يصبح شبه مستحيل. لكن هناك سيناريو آخر بنفس الخطورة، وهو أن يقول الحاضرون في الاجتماع: «من هذا؟ لم أسمع به من قبل!».
وأن تكون غير معروف في الشركة قد يكون بنفس ضرر أن تكون معروفاً بأداء ضعيف. حتى لو كنت تحقق أهدافك باستمرار، فإن القيام بذلك في عزلة دون بناء علاقات يمكن أن يجعلك مرشحاً محتملاً للتسريح.
لذلك، يجب عليك التأكد من أنك معروف جيداً داخل المؤسسة، وهناك عدة طرق للقيام بذلك:
1 - اجعل نفسك مرئياً خارج فريقك: لا تكتفِ بأداء عملك في صمت. تطوع للمشاركة في المشاريع البارزة، وكن الوجه الممثل لفريقك في الاجتماعات المهمة. ابحث عن الفرص لتقديم العروض التقديمية أمام المديرين التنفيذيين، وكن نشطاً في تسليط الضوء على إنجازاتك.
2 - تعاون مع فرق أخرى داخل الشركة: تطوع للعمل كحلقة وصل بين فريقك والفرق الأخرى التي تعتمد على عملك. شارك في المبادرات المشتركة التي تشمل عدة أقسام، فهذه فرصة لبناء علاقات مع أشخاص من مختلف المستويات الإدارية.
3 - لا تبقَ في مكان واحد لفترة طويلة: إذا كانت لديك الفرصة للانتقال بين الفرق المختلفة داخل الشركة، فاستغلها. إن العمل في أقسام متعددة يعزز قيمة مساهمتك ويزيد من معرفتك بالشركة ككل، ما يجعلك موظفاً يصعب الاستغناء عنه.
4 - ابنِ شبكة علاقات قوية داخل الشركة: حتى إن لم تتمكن من التنقل بين الفرق، فاحرص على بناء علاقات خارج دائرتك المباشرة. تواصل مع زملاء من إدارات مختلفة، وتعرف على مديري الفرق الأخرى، وشارك في الفعاليات والأنشطة التي تقيمها الشركة. وحتى محادثة غير رسمية مع أحد المسؤولين قد تكون سبباً في ترسيخ اسمك في أذهانهم.
الهجوم خير وسيلة للدفاع
في النهاية، البقاء في الشركة لا يعتمد فقط على الأداء، بل أيضاً على كيف تُدير صورتك داخلها. إذا كنت مجهولاً داخل مؤسستك، فمن السهل أن تصبح هدفاً سهلاً لقرارات التسريح العشوائية.
لذلك، اعمل بذكاء على تعزيز وجودك داخل الشركة، وابنِ علاقاتك مع الأشخاص الذين قد يكونون جزءاً من مناقشات التسريح. لا تدع نفسك تصبح «الموظف الذي لا يعرفه أحد»، فهؤلاء هم أول من يتم التضحية بهم عند اتخاذ القرارات الصعبة.
0 تعليق