أرباح البنوك العُمانية وعلاقتها بالقروض الشخصية

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تستمر البنوك العُمانية بتحقيق مكاسب جيدة في مستوى عملياتها التشغيلية حيث ارتفعت أرباحها بنهاية عام (2024) مسجلة نموا سنويا بلغ (15 %) وبأرباح تجاوزت نصف مليار ريال عُماني. حيث حققت جميع البنوك السبعة المدرجة أسهمها ببورصة مسقط نموا متفاوتا كان الأكبر من نصيب بنك مسقط الذي استحوذ على أعلى حصة سوقية تجاوزت قليلا (43 %) من إجمالي أرباح البنوك بينما كان بنك نزوى الأقل من حيث مستوى الربحية ولكنه يعتبر البنك الوحيد الذي خدماته متوافقة مع الشريعة الإسلامية إذ إنه ليس نافذة إسلامية تتبع لبنك تجاري تقليدي، كما أن نمو الأرباح استمر حتى الربع الأول من هذا العام لجميع البنوك حيث شهدت تحسنا ملحوظا بالمقارنة مع المدة نفسها من العام الماضي، ويعتبر أداء البنوك العُمانية الأفضل بين البنوك الخليجية التي شهد بعضها تراجعا في الأرباح السنوية. والتساؤل حول مدى علاقة ذلك النمو بمحفظة القروض الشخصية.

نمو أرباح البنوك والمصارف العُمانية جاء مدعوما بارتفاع محفظة القروض والتمويل التي تجاوزت (32) مليار ريال عماني خلال عام (2024). تتضمن تلك القروض أيضا المصارف والنوافذ الإسلامية التي هي الأخرى تشهد صعودا في مستوى الربحية.

وقد يُعزى نمو أرباح البنوك العُمانية إلى ارتفاع متوسط سعر الفائدة على إجمالي القروض حيث بلغ (5.6 %) بنهاية العام الماضي، كما أن استمرار تحقيق البنوك العُمانية لمعدلات ربحية جيدة يعطي مؤشرا على فاعلية مستويات التحوط التي تتخذها البنوك عند منحها للقروض سواء للأفراد والشركات. هذا التحوط الذي يأتي عملا بالسياسات المالية المحلية وأيضا تطبيقا للمعايير التي تفرضها المؤسسات الدولية المعنية بالنظام المصرفي.

بالنسبة للقروض الشخصية (الأفراد) حسب البيانات المتوفرة فقد سجلت ارتفاعا حيث تجاوزت مبلغ (11) مليار ريال عماني بنهاية عام (2023) تمثل تلك القروض ما نسبته (37.7%) من إجمالي محفظة القروض والتمويل الممنوحة من قبل البنوك والمؤسسات المالية خلال تلك المدة.

ولتقريب الصورة حول علاقة نمو الأرباح الناتجة من فوائد القروض الشخصية، فقد اطلعت على حالة لأحد العملاء الذي حصل على قرض من أحد البنوك التقليدية بمبلغ خمسين ألف ريال عُماني. تم منحه ذلك القرض بناء على راتبه الشهري الذي يتعدى قليلا 600 ريال ليقوم بسداد ذلك القرض خلال خمسة وعشرين عاما مع استقطاع يصل لنصف راتبه الشهري. وإن كان من الوهلة الأولى بأن ذلك القرض يساعد العميل على تحقيق مآربه الاجتماعية إلا إنه في النهاية فهو يصبح مديونا للبنك لمدة طويلة من الزمن مع سداد مبلغ الفوائد التي تصل إلى (92 %) من قيمة القرض بالإضافة إلى أصل القرض الذي حصل عليه. وبالتالي، التساؤل حول مدى قدرة ذلك المقترض من استمرار تأمين حياته المستقبلية في التعايش مع ما يتبقى من ذلك الراتب. المثال السابق يعطي مؤشرا بأن البنوك والمصارف المالية ما زالت تستخدم نفس المعايير التقليدية ومنها بأن العميل الذي يعمل بالجهات الحكومية يجتاز بسهولة متطلبات الجدارة الائتمانية لمنح القرض.

بيد أن تقييم الجدارة الائتمانية ينبغي أن يكون أكثر شمولية ومن مصادر بيانات متنوعة ليتم تحديد الحد الأقصى لقيمة القرض حسب حالة كل عميل كما أن إحدى الممارسات المطبقة في بعض الدول عند تحديد قيمة القرض الشخصي هو احتساب إجمالي الراتب السنوي للعميل ويمنح التمويل بما يعادل أربع مرات إجمالي الراتب السنوي كحد أقصى.

وتطبيق ذلك على المثال السابق فإن الحد الأقصى للقرض قد لا يتعدى ثلاثين ألف ريال عُماني.

كما أن هناك من الممارسات الجيدة بأن يكون للعميل وديعة نقدية بالبنك لتقليل نسبة المخاطرة عند احتساب معدل الفائدة. وقد يكون مثل تلك الممارسات بطريقة ما مطبقة بالمصارف الإسلامية من حيث منح (80 %) من قيمة التمويل المطلوب للأغراض الشخصية - على سبيل المثال - تمويل مشاريع بناء المنازل وشرائها مع أخذ الضمانات اللازمة لتقليل درجة المخاطرة في حال حدوث إشكالية في مسار سداد التمويل.

أيضا ما ورد في القانون المصرفي الجديد الذي أورد جملة من المعلومات الائتمانية والمالية لأي فرد يرغب في الحصول على القروض والتمويلات تمثل نقلة نوعية في معايير تقييم الجدارة المالية. فبالإضافة إلى جهة العمل ومقدار الراتب الشهري، يتم التحقق من بيانات وعنوان العميل بالكامل وسجله الائتماني والمستحقات التي عليه طرف أي جهة كانت ومدى التزامه بالتسديد شاملا خدمات الاتصالات والإنترنت وأية رسوم أو ضرائب أو مطالبات عليه تشمل أية أحكام قضائية. هذه الشمولية في معرفة التزامات العملاء ومديونياتهم تساعد البنوك التقليدية والإسلامية على تقليل درجة المخاطرة عند اتخاذ قرار منح مبلغ التمويل وخاصة القروض الشخصية.

من الجانب الآخر، فإن البنوك والنوافذ الإسلامية أصبحت تنمو بشكل جيد من خلال الإقبال على منتجاتها والتي تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية. فإنه من باب إفساح المجال لهذه البنوك بالمنافسة العادلة فقد يكون مناسبا منحها الحق في التحول من نوافذ إسلامية تابعة لبنوك تقليدية إلى مصارف إسلامية مستقلة هيكليا وماليا. هذا التحول يمنحها مرونة أكبر في تطوير منتجاتها وأعمالها المصرفية من حيث المقدرة على منح معدلات تمويل أكثر تنافسية في محفظة التمويل الإسلامي وزيادة حصتها السوقية ما يقلل من نفوذ البنوك التقليدية والتي البعض منها أصبحت حصتها السوقية تتجاوز النسبة المسموح لتقييم نسبة منع الاحتكار في القطاع المصرفي. أيضا تحول النوافذ الإسلامية إلى مصارف مستقلة يمنحها فرصة لتوسيع دائرة عملياتها المصرفية داخل سلطنة عمان وأيضا خارجها كما هو شأن البنوك التقليدية التي أصبحت تفتح فروعا لها بدول الخليج العربية.

وإن كانت هناك مبادرات قامت بها بعض البنوك التي يستحق ذكرها وهما بنك عمان العربي وبنك صحار الدولي قبل مدة قليلة المتمثلة في إعفاء عملاء تلك البنوك المتعثرين من سداد مديونياتهم من القروض الشخصية، فإن الأمل يحدو قيام جميع البنوك التقليدية والإسلامية بتبني مثل تلك المبادرات وأن تكون بشكل سنوي وليس لمرة واحدة. هذه المبادرات والتي - بلا شك - تشمل القروض الشخصية تعتبر نقلة نوعية في النظرة الإنسانية التي تقدمها البنوك لعملائها والذين أسهموا في نمو الأرباح التي حققتها البنوك. هذه المبادرات المجتمعية لها حسناتها الحميدة في التخفيف عن كاهل مجموعة من الأسر العُمانية والتي اضطرتها الظروف في يوم من الأيام إلى اللجوء للبنوك للوفاء باحتياجاتها الاجتماعية.

ولكن ليس مناسبا أن نلقي اللوم كله على البنوك والمصارف في ارتفاع محفظة القروض الشخصية وتداعياتها على بعض أفراد المجتمع. ولكن الأفراد الذين يكون مقصدهم الحصول على القروض والتمويل الإسلامي يجب عليهم التفكير مليا للتبعات السلبية التي قد تحدث في بعض الأحيان - لا سمح الله - على مسار حياتهم العائلية. كما يجب التحوط من حيث إيجاد الضمانات الآمنة ووضع سيناريوهات قبل الإقدام على الاقتراض بحيث لا يتجاوز ما يستقطعه البنك ثلث الراتب الشهري على أقصى تقدير. الفرد أيا كان دخله يجب ألا تُزين له الحياة الدنيا بأن أموره المالية بعيدة عن التقلبات الاقتصادية والاجتماعية التي من الصعوبة التكهن بها في هذا العالم المضطرب بالمفاجآت.

هناك علاقة بين نمو الأرباح للبنوك التقليدية والمصارف الإسلامية مع نمو محفظة القروض الشخصية. وبالتالي يجب على البنوك ألا تكون نظرتها لنمو أرباحها هو الاعتداد فقط على الراتب الشهري ومدة الخدمة وجهة العمل عند اتخاذ قرارات منح القروض الشخصية للعملاء.

وينبغي أن يكون قرار البنك عند منح تلك القروض أكثر شمولية في معرفة الالتزامات والقدرة المالية للعميل مع تطبيق أفضل الممارسات الجيدة لتقليل درجة المخاطر المالية التي قد يتعرض لها العملاء خلال مدة سداد القروض الشخصية. ولعل ما ورد بالقانون المصرفي الجديد من تحديد جملة من المعلومات الائتمانية والمالية سوف تُسهم في تنظيم محفظة القروض الشخصية وتُعزز من المعايير والضمانات اللازمة عند منح القروض والتمويل سواء للقروض الشخصية أو للشركات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق