أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الأمة الإسلامية منذ بداياتها لم تكتفِ بمعرفة سطحية عن رسول الله ﷺ، بل أرادت أن تعيش معه، وتحيى سيرته بكل تفاصيلها، لتجعل منه القدوة والأسوة الحسنة في كل شؤون الحياة.
وأوضح علي جمعة،، خلال بودكاست "مع نور الدين"، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس، أن المسلمين لم يكتفوا بمعرفة نسب النبي ﷺ أو قبيلته أو من حوله فقط، كما يفعل المستشرقون أو غير المسلمين، بل أرادوا أن يذهبوا أعمق من ذلك ليجيبوا عن السؤالين الكبيرين: "لماذا؟" و"كيف؟"، وهما مفتاحا اكتشاف الحقائق، قائلًا: "السؤال عن الكيفية والسبب هو الذي يقودنا لفهم أعماق الأحداث، وليس مجرد سردها".
وأضاف أن فكرة توثيق السيرة النبوية ظهرت مبكرًا، وكان من أوائل من فكروا فيها العالم موسى بن عقبة، أحد كبار الثقات، الذي ألّف كتابًا في السيرة لم يصلنا كاملًا، لكن الله أذن أن نرث بعضًا منه، ثم جاء ابن إسحاق فجمع مغازي النبي، وتلاه تلميذه ابن هشام الذي استفاد من كل ما سبقه، وقدم لنا سيرة نبوية شاملة، ربط فيها بين حياة النبي ﷺ وأيام العرب الأولى، لفهم عمق الأحداث لا مجرد ملابساتها.
وأشار د. علي جمعة إلى أن بعض العلماء، مثل السهيدي، لم يكتفوا بقراءة نصوص ابن هشام، بل وقفوا عند كل كلمة، وبحثوا أصولها ومعانيها، وفرقوا بين التمثال والصنم والنُصُب والوثن، مستعينين بعلوم اللغة والتاريخ والحديث، في دلالة على حضارة إسلامية تبني علومها لبنة لبنة، بدقة وصبر.
وفي السياق ذاته، ذكر أن الدكتور صلاح المنجد قد ألّف كتابًا بعنوان "معجم ما أُلِّف في رسول الله ﷺ"، أحصى فيه أكثر من 450 كتابًا عن النبي، كانت مطبوعة قبل 20 عامًا فقط، مشيرًا إلى أن العدد الآن قد يتجاوز 500 عنوان، بخلاف ما لم يصلنا أو فقده الزمن.
وشدد د. علي جمعة على أن علم السيرة لم يكن هدفه فقط معرفة النبي ﷺ أو حتى الإيمان به، بل أن نرتقي لمرحلة "معايشته" كقدوة وأسوة حسنة، قائلاً: "نحن أمة اهتمت برسولها، وجعلت من سيرته علمًا مستقلًا، لا لنقرأه للبركة فقط، بل لنعرف كيف نحيا به، ونفهم به العالم، ونتعامل مع واقعنا كما تعامل هو مع واقعه بكل تعقيداته وتفاصيله".
وأكد على أن قضية توثيق السيرة ستكون محورًا مهمًا للحديث لاحقًا، لكن الأهم الآن هو الفكرة نفسها: كيف نعيش مع رسول الله ﷺ ونجعل سيرته أداة لفهم الحياة والارتقاء بالروح والعقل والواقع.
0 تعليق