بذكريات الحمراء وصوت الوتر العربي وإيقاع الفلامنكو
من سهول عمان إلى جماليات قصر الحمراء في الأندلس، سافر جمهور دار الأوبرا السلطانية مسقط يومي الخميس والجمعة في رحلة عبر أنغام الموسيقى التي اجتمعت بين العربي والغربي في صوت يضج بالعاطفة، ينفض غبار السنين، ويعيد ذكريات الأندلس المنسوجة بكل جمالية في عمق الإرث العربي.
الحفل الذي حمل عنوان "ذكريات الحمراء.. رحلة في عالم الموسيقى العربية الأندلسية"، فاض بكل التعابير التي تبهر الجمهور الموسيقى والفني في الدار، حيث اجتمعت فرقة أنطونيو أندرادي للفلانكو، وفرقة علاء زويتن للموسيقى العربية، وأوركسترا الفلامنكو في إشبيلية، ليخرج الحفل بإنتاج دار الأوبرا السلطانية مسقط بالتعاون مع آرتيس ريد ومجلس إدارة قصر الحمراء، كصورة مبهرة لخصت معاني الجمال في عدد من المشاهد الموسيقية والراقصة.
لم يكتفي الجمهور من التفاعل والتصفيق عند نهاية كل مشهد من مشاهد الحفل الثمانية، حيث كانت ذكريات الحمراء أشبه برحلة، لا تتوقف إلا في استراحة لانقضاء مشهد قبل بداية الآخر، ولم يكن قصر الحمراء مشهدا أو ذكرى، بل حل كرمز مركزي، مزجت فيه ثقافتا الموسيقى العربية والغربية، فلم يكن المسرح ساحة للفن، بل غدى لوحة من الذكريات ومصدرا للإلهام، وصورة متمازجة الألوان لعنفوان الموسيقى وصوت الأنغام.
بدأ الحفل بعزف موسيقى على آلة العود، بمقدمة للمقطوعة "أميرة الأندلس لمنير شبير"، أداها عزفا علاء زويتن، حيث رسم المسار من الذاكرة وعبر شوارع غرناطة القديمة، ونحو حلم أندلسي دبت فيه الحياة ليغدو واقعا على خشبة المسرح.
كان المشهد الأول الذي عنون بـ"فناء الأسود" يحمل في طياته حوارا بين الأصوات العربية والفلامنكو، بأداء الفنانة بسمة جبر، وأسبيرانزا جاريدو، كما كان أداء فرقة الاستعراض مصاحبا لصوت الموسيقى، بأداء رقصة "سيجيريا بالعصي"، وفي المشهد الثاني الذي حمل عنوان "باحة الريحان" بأداء خوسيه جالفان مع فناني الفلامنكو والموسيقى العربية، وأوركسترا الفلامنكو، أم المشهد الثالث فكان بعنوان "قاعة الأختين"، اندمجت فيه أصوات الموسيقى العربية بأسلوب الفلامنكو، في مشهد عرض بين المؤدين والمؤديات بأسلوب متوازن الإيقاع، وفي مشهد "حدائق جنة العريف" كان الانتقال للأداء العربي من خلال أداء علاء زويتن والفرقة العربية وحضور ضيف المشهد الفنان العماني زياد الحربي.
وقدمت بعدها فرقة الاستعراض مع فناني الفلامنكو المشهد الخامس الذي حمل عنوان "فناء لينداراخا"، كما أدت سارا لوكي فقرة برفقة الفنانين العرب وأوركسترا الفلامنكو، وجاء المشهد السادس بعنوان "حمامات قمارش" بأداء فنانو الفلامنكو والموسيقى العربية، ليحضر إيقاع غرناطة وصوتها وروحها في كل أداء موسيقي لهذا المشهد، وفي المشهد السابع كان صوت الموسيقى العربية هو المسيطر، حيث حمل المشهد عنوان "قاعة المشور والغرفة الذهبية" وأدى فيه العازف زياد الحربي برفقة الفرقة العربية، ليكون المشهد الأخير "قاعة الملوك" بأداء أورسولا مورينو بمرافقة عازفي موسيقى الفلامنكو والموسيقى العربية وأوركسترا الفلامينكو.
جاء الختام الذي قدمته الفرقة بقيادة الفنان "زياد الحربي" بأغنية "أوه يازينة" التي اشتركت فيها أصوات الأوتار العربية، مع النغم الغربي، ورقصات المؤدين الذين تمايلو باللحن العماني بأسلوب أسباني بارع، أثار الجمهور إعجابا واندماجا بالأداء الذي تصاعدت معه الهتافات، لتغلق دائرة المسرح بتحية المؤدين وحضور المخرج أنطونيو أندرادي.
ما تميز به الحفل هو حضور الإعلامي " قصي منصور" الذي لعب دور الراوي وهو مطور المحتوى باللغة العربية، وكان يظهر في عدد من المشاهد ليصيغ حكاية الجمال الأندلسي، بأسلوب قصصي جذاب، وصوت بعبر القلوب قبل الأذان، استطاع من خلال هذا السرد أن يكون كصوت قادم من أعماق الذكريات، ويحل في الحاضر بتوهج، وهو يوجه أذهان الحضور للوصول لعمق الحكاية، تاركا المجال للموسيقى أن تكون هي الوسيط الذي يهيج القلب بإيقاعها للسفر إلى قصر الحمراء.
0 تعليق