كنت في رحلة باستخدام تطبيقات توصيل الركاب، بدأ قائد المركبة يتحدث معي عن معاناته اليومية مع إشكالية الازدحام المروري والسلوك العدواني الذي ينتهجه البعض أثناء القيادة. كان قائد المركبة يقود بشكل عادي، ولكن ما أن احتد الزحام المروري حتى تغيرت ملامحه وأصبح كالوحش. لقد بدا لي وهو في قمة التركيز، يقود بطريقة مختلفة، ويتخطى السيارات بمهارة فائقة الواحدة تلوى الأخرى. أراه يقترب من المركبات بشكل خطير ومثير للإعجاب في آن واحد. يتخطى صفا كبيرا من المركبات ليتلف في المقدمة ويتقدم بجرأة تجاه السيارات المسرعة من الجهة الأخرى ليرغمهم على السماح له بالدوران. فقلت له أين المثل والأخلاقيات التي حدثتني عنها للتو؟ فضحك قائلا «معليش أنا مضطر لمجاراة الواقع فعشان تسوق لازم تكون وحش».
في الحقيقة، لا أجد مبررا للجانب السلوكي العدواني الذي ينتهجه البعض، ففي أي مدينة مزدحمة في العالم عليك التحلي بالصبر والسلوك القويم وإعطاء الطريق حقه بكف الأذى؛ فالالتزام المروري يعكس انطباعا عن أخلاقيات المجتمع. القيادة المتوحشة أو العدوانية هي أحد المصطلحات التي يمكن تعريفها بأنها «خلل سلوكي يصيب قائد المركبة بالعظمة ليجعله يقود بوحشية معتقدا أنه المالك الحصري للطريق دون غيره فيرفض مشاركة الآخرين أو السماح لهم بالعبور أو الانعطاف».
أتساءل لماذا يمارس البعض قيادة المركبة بشراسة وتوحش؟ ولماذا الغضب، والشتائم، والتهديد والتلويح باليد؟ لماذا أتعرض لهذه المضايقات أحيانا وأتلقى مثل هذه التهديدات؟ مشاهد نراها كل يوم من سلوكيات أبطالها هؤلاء «الوحوش» الذين يعتقدون أن الطريق ملكية خاصة لهم. فهذا أحدهم يسير بأقصى سرعة دون أي اعتبار لحقوق المشاة؛ بل يزيد من سرعته عنادا كي يمنعهم من العبور. أما الآخر فيفقد صبره ليغير مساره الأيسر إلى المسار الأوسط وعليك الانعطاف سريعا لتفاديه والانحراف سريعا للمسار الأيمن؛ أو الضغط على الكابح بقوة وتحمل الاصطدام الخلفي فقط لأن هذا «الوحش» فقد صبره ولم يتحمل الاختناق المروري. يصر في كل مرة على تجاوزك والدخول على مسارك عنوة والانعطاف قبلك أو الدوران ومزاحمتك في مسارك وعليك القبول بذلك بالقوة واستمرارك في مجاراته يعني مواجهة العناد بالعناد ثم الاصطدام به لا محاله. أما إذا حاولت الانعطاف جهة أحد مخارج الطرق السريعة مستخدما الإشارة الضوئية الصفراء فسوف يبرز لك أحدهم ليسير بأقصى سرعته ويستميت لمنعك قدر الإمكان من الانعطاف نحو المخرج.
الأسوأ من ذلك كله عندما يجتمع ضدك كل هؤلاء «الوحوش» في مكان واحد وفي موقف واحد، ففي أوقات الازدحام المروري لا رحمة لديهم ولا اعتبار لحقوق الآخر، سوف تجد مركبتك كعلبة سردين يحدها ثلاثة أحدهم من الخلف والثاني من اليمين والآخر من اليسار. يلتصقون بمركبتك بتهور لأنهم الأحق بالوصول قبلك فالطريق ملك لهم فعليك الاستسلام. إياك أن تعاندهم أو تتجرأ عليهم فالطريق ملك لهم كما يعتقدون. إذا قابلتهم وجدت وجوههم ضاحكة مستبشرة، يتحدثون عن المُثل والأخلاقيات؛ ولكنهم إذا قادوا مركباتهم تحولوا إلى وحوش وشعارهم «عشان تسوق لازم تكون وحش».
سلوكيات مرورية أصبحت سائدة ويمارسها البعض بشكل تلقائي لأنه اعتاد عليها وشاهدها صباحا ومساء حتى أصبح مرغما أحيانا على مجاراتها. سلوكيات انطبعت في ذهنية البعض ولا يمكن تقويمها بالتوعية والإرشادات المرورية فحسب؛ بل بتطبيق الأنظمة الحازمة. نعم الأنظمة الصارمة هي التي تهذب السلوك وتجعلنا نعتاد على ممارسة سلوك القيادة القويم حتى لا نتحول إلى وحوش الطريق.
0 تعليق