
كانت أبرز مخاوف المراقبين من عهدة ترامب الثانية، أنه لا يمكن توقع تصرفاته، وبالفعل فقد صدقت تلك التخوفات.
وقد نال منطقتنا نصيب من تلك المفاجآت، بعضها سار وبعضها مرعب.
أولى تلك المفاجآت كانت اقتراح ترامب بامتلاك قطاع غزة وتهجير أهلها إلى مصر والأردن، وجعلها “ريفييرا الشرق الأوسط”، وهو الاقتراح الذي وقع كالصاعقة على المنطقة.
المفاجأة الأخرى كانت العملية العسكرية التي شنها على اليمن بلا هوداة، متوعدا كعادته بفتح باب الجحيم عليهم.
مفاجأة أخرى كانت بتصريحاته حول قناة السويس وضرورة أن يكون مرور السفن الأمريكية منها مجانا.
وإن كانت تلك ليست مفاجآت بالمعنى الحرفي للكلمة، فهي تعبر عن العنجهية وشخصية الكاوبوي الأمريكي، وعن نظرة ترامب الدونية للمنطقة.
لكن المفاجأة الحقيقية كانت الاتفاق مع جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن على وقف الهجمات المتبادلة بين الطرفين، وكذلك إشادة ترامب بشجاعتهم وصمودهم. كانت المفاجأة الأكبر أن وقف الهجمات لم يشمل الكيان الصهيوني، ما يعني أن ترام بلك يكترث بالكيان وأدار ظهره له. وبالفعل فقد قصف الحوثيون الكيان بعد الاتفاق، وظل ترامب ملتزما بعدم مهاجمتهم.
المفاجأة الأخرى كانت الاختراق الذي أحدثه في قضية الأسرى في قطاع غزة، حيث ذهب لاتفاق مع حركة حماس لاستعادة الأسير الصهيوني الذي يحمل الجنسية الأمريكية.
كسر ترامب في ذلك العديد من التقاليد والقواعد الأمريكية، فقد ذهب للتفاوض بشكل مباشر مع حركات تصنفها واشنطن بـ”الإرهابية”، بل وأشاد بها.
ترامب يعشق الصفقات، ويعشق أن يخرج منها كاسبا، ويبدو أنه وجد في منطقتنا بيئة خصبة لذلك.
أعظم ما يسعى إليه الوسطاء هو أن ينجحوا في الجمع بين الفرقاء وجها لوجه، خصوصا إن كان الفرقاء أو أحدهما لا يعترف بالآخر. ذلك أن اللقاء المباشر يعني فيما يعنيه اعترافا وإن كان ضمنيا بالآخر. فإن سار اللقاء على ما يرام، سيكون هذا دافعا قويا لاستمرار المفاوضات بين الجانبين.
غير أن ترامب كسر كل القواعد، فهذه الأمور لا تقلقه كثيرا، وهو ينظر إلى الإنجاز والمكسب الذي سيحققه هو وليس الطرف الآخر.
رئيس المفاجآت، هو مشكلة حقًّا، فهو متقلب المزاج، ولا أحد يعرف متى يغير رأيه، ولذلك فمن الخطورة وضع البيض كله في سلته.
أخيرًا، زعماء العالم يبدون كمن يسير في الظلام بتمهل شديد خوفا من الارتطام بقدم وحش ينام وسط الغرفة؛ وهم لا يدرون كيف ستكون ردة فعله. ومع ذلك فإن الإرادة والإصرار والندية والتمسك بما يرونه حقا كان كفيلا بترويض ذلك الوحش، أما من لم يملك ذلك وظل مرتجفا فقد ناله وسيناله من ذلك الوحش لطمة تلو أخرى.
0 تعليق