أتى على مصطلح «الإحلال الوظيفي» أو مصطلح «البحرنة» حين من الدهر كان فيه هذا المصطلح مكروهاً وكأنه من المحرمات، ويُعدّ من المدارس القديمة في عالم الاقتصاد، ربما لأنه كانت هناك ممارسات غير صحية، وربما كان هناك سوء استغلال لهذا التشريع نفر المؤسسات منه إذ أصبح كالسيف المسلّط على رقابهم يفرض فيه البحريني على المؤسسة حتى وإن كان غير ذي كفاءة.
لكننا اليوم نعيد الاعتبار لهذا المصطلح بعد إدخال بعض التعديلات عليه إذ تكون عملية الإحلال مشروطة بالتدريب والتأهيل والإعداد، وبعد ذلك لا حجة للرفض ولا تكون البحرنة في هذه الحالة شيئاً سلبياً ومفروضاً على المؤسسات، بل تكون الربحية للطرفين المؤسسة والموظف البحريني، ومن يخالفها يحاسب، فلا تترك بلا رقابة وبلا رادع.
ومثال على ذلك التصريحات التي نُشرت أمس حول قطاع التمريض والتي أشعرتك بأن وجود خطة ووجود مساعٍ لعملية الإحلال عملية طبيعية جداً، بل وواجب وطني، وذلك على غير ما اعتدنا عليه في السنوات الأخيرة والتي جعلت من السوق البحريني سوقاً مفضّلاً للجميع عدا البحريني.
(إذ كــشــف الــفــريــق طـبـيـب الـشـيـخ مـحـمـد بــن عـبـدالله آل خليفة رئـيـس المجلس الأعــلــى لـلـصـحـة لـــ«أخــبــار الخليج» عـن مـسـاعٍ لإحلال الكفاءة البحرينية في قطاع التمريض بدلاً من الأجانب، لـتـحـقـيـق الاكــتــفــاء الــذاتــي، مــــؤكــــداً عـــمـــل الــمــجــلــس فـــي تــخــصــص الــتــمــريــض بـالـبـحـريـن خــلال الـسـنـوات المقبلة.
وأوضــــــــــح أن خــطــط الإحـــــلال جـــــاءت لــتــعــزيــز تواصل المريض بالممرض، حـــيـــث لــــوحــــظ تــفــضــيــل الــــمــــريــــض الـــبـــحـــريـــنـــي لـلـمـمـرض ابــن بـلـده لـوجـود قـــاســـم الــلــغــة الــمــشــتــرك) انتهى.هل لاحظتم كيف أصبحت كلمة إحلال سهلة ومرنة عند المسؤولين دون أن يشعر من يُطلقها بأنه يفرض عنصراً غير مرغوب، بل إن المساعي والخطط لعملية الإحلال أمر بإمكان الحكومات أن تتولاه دون أن تشعر بأنها كسرت قواعد السوق الحرة؟
(كما أكدت الدكتورة مريم عذبي الجلاهمة الرئيس التنفيذي للمستشفيات الحكومية، أن الاستثمار فـي الـكـوادر التمريضية الوطنية يُعد استثماراً في مـسـتـقـبـل الــرعــايــة الـصـحـيـة، بـاعـتـبـارهـم الـركـيـزة الأساسية لمنظومة صحية متكاملة تقدم خدمات عالية الجودة، وهو ما يترجم التزام مملكة البحرين بـالـريـادة فـي المجال الصحي وفـق أفضل المعايير العالمية). (انتهى).
هكذا أصبح الاكتفاء الذاتي من العمالة الوطنية في السوق في أي قطاع -إن أمكن- ليس عيباً ولا قصوراً ولا اعوجاجاً في السوق يحتاج لإصلاح، بل العكس هو المطلوب وهو الذي يجب التركيز عليه وهو الذي يجب أن يكون مهمة الحكومات، وتراقب السلطة التشريعية أداء هذه المهمة وتحاسب على التقصير فيها.
فإن زادت الحاجة في السوق عن الموجود من العمالة الوطنية المؤهلة يجوز للسوق أن يستورد عمالة أجنبية، هكذا هو الطريق الصح وهكذا فعلت العديد من الحكومات دون أن يمسّ ذلك سمعة السوق أو يجعلها خارج المنافسة.
نحتاج لذات العقلية في العديد من القطاعات الأخرى، بل نحتاج أن نحصر بعض القطاعات على العمالة الوطنية كما فعلت دول مجاورة، وحين الاكتفاء ووجود حاجة يسمح للاستيراد مع وضع ضوابط وتقييمات مستمرة.لا أن يكون هرمنا مقلوباً، بطالة محلية وفي ذات التخصص سوقنا حافل بالعمالة الأجنبية!!
0 تعليق