السعودية صادقة مع نفسها، ومع من تخدمهم من زوار وحجاج البيتين الحرمين، وهي تحرص كل الحرص على ألا يتأذى أحد منهم، بعشوائية تسلله بين أسراب الحجاج، متخطيا النظام، فنفجع كما في السنة الماضية بكارثة تدافع وتزاحم أدت لوفاة 1426 حاجا!
الهيئة العامة للإحصاء أعلنت أن إجمالي أعداد الحجاج النظاميين للعام المنصرم 1,833,164 حاجا، منهم 1,611,310 قدموا من خارج المملكة، فيما بلغ عدد حجاج الداخل 221,854 حاجا من المواطنين والمقيمين الحاصلين على تصاريح.
وللأسف فقد استغل الكثير من القادمين من الخارج وجودهم بتأشيرات زيارة وسياحة نالوها، بنوايا خرق القوانين، والتحايل، والتسرب إلى مناطق المشاعر المقدسة في أيام الحج!
وكم تبارت أجهزت الدولة بالترتيب والتنظيم والتنسيق والتطوير، قبل أن تفاجأ بأن أعداد الحجيج تتضخم، بمتسللين تم تهريبهم من الجبال والأودية، ما خلق استحالة رعاية فوضاهم المتزايدة، وكثير منهم بلا مأوى، ولا مواصلات، ولا طعام وشراب في سخونة أجواء شكلت كارثة لا أعادها الله على الجميع.
ومن أجل ذلك سارعت السعودية بتعديل النهج وتضبيط التعليمات وتغليظ القوانين في موسمنا القادم، ومنع المعتمرين والسواح من التعدي على الحجاج النظاميين، وتوعدت كل من يخرق النظام، بتصرف فردي، أو جماعي أو من خلال شركات العمرة والحج المتساهلة، بعقوبات مختلفة، قد تبلغ مئة ألف ريال على كل خارج على النظام.
المخالفون يبررون لأنفسهم بأن الحج فرصة عمر قد لا تتاح لهم مستقبلا، فيجازفون بأنفسهم ويستهترون بالقانون ويستخفون بحياة الآخرين، متناسيين أنهم يحتالون على ربهم، ويضرون بإخوتهم المسلمين، ويسببون الفوضى، ويحملون دم من يتوفى جراء الزحام، ويسرقون حقوق من اتبع النظام بحرمانه من مكان وخدمة وحج سليم آمن.
الاستطاعة للحج لا تعني أن تكذب، ولا أن تحتال وتزور وترشي فاسدا ليحملك إلى المشاعر بطرق غير نظامية، وهنا تقع المفارقة، فكيف يرضى المسلم أن يحج، باقترافه الذنوب العظيمة، وتعرضه لدعوات تناله من المتضررين من حجه غير النظامي، حيث تسبب في أذيتهم والإضرار بهم، وبما يصل إلى القتل العمد!
المشكلة التي تواجهها السعودية أثناء خدمة حجاج بيت الله الحرام، ليست تخطيطية ولا مادية أو بشرية أو تقنية، والمشاعر المباركة محدودة المساحة، لا يمكن تجاوزها، والنظام الالكتروني والخدمي والأمني مضبوط على العدد نفسه لمن يسجلون رسميا، ويلتزمون فلا يزيدون الأحمال، ولكن العلة العظمى تكمن في الجهل الذي يعاني منه المستغلون، والاحتيال الذي تبدع فيه بعض الجاليات، بتحوير أو تجاهل قوانين الدولة السعودية وأنظمتها، فرحين بأي فرصة تحايل على رب البيت وتقديره، وعلى أجهزة دولة تجهد بالتخطيط، والعمل لتأكيد الأمن والسلامة، وضمان حسن الرفادة والحماية والسقاية والرعاية الصحية، ومساعدة ومعالجة الألوف من المرضى، والعجزة، والأطفال.
حكومة السعودية وشعبها يفعلون أقصى ما بالإمكان، وبكرم يفوق التخيل، بداية بطريق الحج وحتى انتهاء الموسم، ومعارضة جهود المتحايلين ورصد المتهاونين، قبل أن يشوهوا أعظم المنجزات الإسلامية المشهودة، وتلافيا لحدوث الكوارث لحجاج أتوا الله ضيوفا آمنين مكرمين.
ومؤكد أن السعودية لن تقف عاجزة، ولن تتردد في تنفيذ قوانينها، بصرامة على كل من يستهينون ويعاندون، ومن يحتالون حتى في أداء فرضهم السماوي.
0 تعليق