شهدت البحرين أوائل القرن التاسع الهجري - الخامس عشر الميلادي تراجع وضعف دور العصفوريين وتصاعد دور الجبور كقوى محلية عربية جديدة مثلت استمراراً للقوى القبلية التي استطاعت أن ترسم ملامح مرحلة مهمة من مراحل الحكم المحلي في المنطقة، خلال الفترة بين «820هـ – 931هـ»، «1446م – 1525م»، وامتد نفوذها لتشمل أجزاءً واسعة من وسط وشرق الجزيرة العربية.
برز الجبور الذين يعود نسبهم إلى قبيلة بني عامر بن عقيل، في المشهد السياسي بقيادة الشيخ زامل بن حسين بن ناصر بن جبر، الذي يُعد المؤسس الفعلي للإمارة. والذي نجح في ملء الفراغ السياسي مستغلاً بذلك الأحوال السياسية والاجتماعية الجديدة في البحرين الناتجة عن ضعف نفوذ العصفوريين وظهور تحالفات وعلاقات قبلية جديدة ليتمكن في بسط سيطرته على بادية البحرين أولاً، ومن ثم الأحساء والقطيف والنواحي والمدن الداخلية والساحلية في البحرين ثانياً، ليتوجه بعدها نحو نجد مستفيداً من علاقاته القبلية الجديدة فامتد نفوذه بذلك من وسط الجزيرة العربية إلى شرقها وسواحلها الشرقية ليساهم بذلك في تحقيق وحدة سياسية تتمكن من تحقيق الأمن والاستقرار، وتولى في الوقت نفسه حماية طرق القوافل والحج. كانت رؤيته واضحة إذ عمل على كسب ولاء الحواضر والقبائل معاً، مؤسساً بذلك إمارة الجبور والتي نظم شؤونها العسكرية والإدارية لتشمل سكان كافة نواحي وسط وشرق الجزيرة العربية، في مشهد اجتماعي يعكس بُعد نظره السياسي.
بعد وفاة زامل، استلم الحكم ابنه سيف لفترة قصيرة، لكن شقيقه أجود كانت له جهود واضحة في ترسيخ وتثبيت حكم الجبور، بفضل خبرته العسكرية وكفاءته السياسية. توسعت الإمارة في عهده، خاصة في ظل ضعف الجروانيين ومملكة هرمز. والذين حاولوا عرقلة صعود الجبور عبر مؤامرات سياسية فاشلة، انتهت بإعادة بسط نفوذ وسيطرة الجبور في شرق الجزيرة العربية وسواحل وجزر الخليج العربي.
ختاماً مثّلت إمارة الجبور نموذجاً مميزاً في تاريخ المنطقة، إذ جمعت بين الحنكة السياسية والقوة القبلية والاعتماد على الولاءات الجديدة. لقد ساهمت في استقرار الخليج العربي خلال فترة مضطربة، وكانت نواةً لفكرة الحكم المحلي القوي قبل العصور الحديثة. ونموذج متميز في الإدارة والقيادة والهوية.
0 تعليق