بيان بغداد.. هل كان في الإمكان أكثر مما كان؟!

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في وقت شهد فيه قطاع غزة أحد أكثر فصول الحرب مأساوية، حيث ظهر أباء وهم يحملون ما تبقى من أشلاء أطفالهم جاءت القمة العربية التي بدأت واختتمت أعمالها في العاصمة العراقية بغداد لتعكس، مرة أخرى، طبيعة التحديات التي تواجه العمل العربي المشترك في لحظات الأزمات الكبرى.

البيان الختامي للقمة حثّ المجتمع الدولي على «الضغط من أجل وقف إراقة الدماء»، ودعا إلى «ضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة»، و «دعم إعادة إعمار غزة»، و «اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ حل الدولتين». وهي مواقف تعبّر، في جوهرها، عن التزام عربي مبدئي تجاه عدالة القضية الفلسطينية، وحرص واضح على تخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين في القطاع المحاصر.

لكن رغم ما في هذا البيان من مضامين، إلا أن حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة منذ أكثر من تسعة عشر شهرا وقد تجاوزت أعداد الضحايا والمصابين والمفقودين كل ما عرفته الحروب السابقة، يطرح تساؤلا مشروعا ومبدئيا: هل تكفي المناشدات؟ وهل ما ورد في البيان يُلبّي، ولو جزئيا، طموحات الشعوب العربية التي ترى فيما يجري في غزة ليس فقط مأساة إنسانية، بل امتحان صريح لأخلاقيات النظام الإقليمي والدولي ولقدرة دولها على التأثير في العالم؟

ما تواجهه غزة اليوم من قصف ودمار وتجويع غير مسبوق، يفوق قدرات المجاملات الدبلوماسية والمواقف الرمزية، ويستدعي تحركا سياسيا مختلفا، أكثر تأثيرا، وأوضح لهجة، وأوسع أدوات؛ فالدول العربية تمتلك من الإمكانيات الاقتصادية والسياسية والرمزية ما يمكن، لو اجتمعت الإرادة، أن يُشكل أداة ضغط حقيقية تجاه الأطراف الفاعلة دوليا، القادرة على وقف الحرب أو على الأقل الحد من عنفها وتماديها.

وفي المقابل، فإن اقتصار الموقف العربي الرسمي على مناشدة المجتمع الدولي، دون الإشارة إلى آليات تنفيذية أو أوراق ضغط، يُضعف من جدوى البيان، ويجعل الشعوب تشعر أن الفعل السياسي العربي، مهما كانت نواياه، يفتقر في هذه اللحظة بالذات إلى ما يكفي من التأثير.

ندرك تماما أن موازين القوى الراهنة لا تتيح تحركات استثنائية أو مفاجئة، ولا تسمح بفرض تسويات كبرى، لكن ما يجب عدم التفريط فيه هو وضوح الموقف الأخلاقي، واستثمار ما تملكه العواصم العربية من علاقات دولية وتجارية ودبلوماسية في تعزيز مسار العدالة، حتى ولو عبر مواقف تدريجية أو تحالفات قانونية وإنسانية تضع حدا للكارثة المتواصلة.. ماذا لو طالبت القمة بشكل صريح الدول التي لديها علاقات دبلوماسية وسفارات في تل أبيب بسحب سفرائها ووقف كل أشكل التطبيع والعلاقات التجارية مع الكيان المحتل!

إن ما يصنع الفارق ليس فقط ما يُقال، بل كيف يُترجم إلى فعل. والبيان الختامي في بغداد، على أهميته الرمزية، لا يمكن أن يُنظر إليه كغاية، بل ينبغي أن يكون مقدمة لحراك عربي أوسع، أكثر انسجاما مع خطورة الحدث، وأكثر قدرة على أن يعبر عن نبض الشعوب التي ما زالت ترى في فلسطين جوهر القضايا العربية، ومعيارا أخلاقيا لا يمكن التنازل عنه.

لقد آن الأوان أن يتحول التضامن العربي من مفهوم إنشائي إلى منظومة ضغط مسؤولة ومستمرة، تعيد للقضية الفلسطينية وزنها الاستراتيجي، وتمنح الإنسان الفلسطيني حقه في الحياة الكريمة، في وطنه، بسلام وعدالة وأمل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق