loading ad...
عمان - في كل لحن فلسطيني حكاية، وفي كل كلمة شوق وفرح وألم، كلمات بسيطة خرجت من أنفاس أهالي القرى خلال "تعليلاتهم" اليومية، ومر عليها الزمن لتصبح اليوم رسالة لا تموت عنوانها "الأغاني الشعبية الفلسطينية".اضافة اعلان
الأغاني التي تعكس التراث الشعبي ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل هي جزء لا يتجزأ من هوية الشعب، وترابط قوي بين الأجيال.
ولكل من هذه الأغنيات جذور راسخة، تتعدد ظروف نشأتها، ولها دور في التعبير عن وجدان وأحوال الشعب الفلسطيني، ومنها: أغنية "جفرا ويا هالربع غرب البلد راحت واربع جدايل شقر على الصدر لاحت".
كثيرون منا رددوا يوما هذه الكلمات الغنائية التراثية من دون أن نعرف قصتها، وعلقت في الذاكرة بفضل كلماتها العامية العفوية، وألحانها الساحرة، وأسلوب أدائها الذي يمزج بين الحنين والفرح الشعبي، تبرز "جفرا" كواحدة من أشهر وأعمق الأغاني التي تركت أثرا في الوجدان الفلسطيني ولاحقا العربي.
رغم أن شهرتها الواسعة جاءت مؤخرا، إلا أن بداياتها تعود إلى أوائل أربعينيات القرن الماضي، حين كتب كلماتها ولحنها الشاعر الفلسطيني أحمد عبد العزيز، وحملت الأغنية اسم "جفرا"، وهو اسم مستعار لحبيبة الشاعر واسمها الحقيقي رفيقة نايف التي وقع في حبها وعقد قرانهم، إلا أن هذه القصة لم تستمر طويلا، فانتهت بالطلاق وتزوجت نايفة برجل آخر، الأمر الذي أسف الشاعر من أجله وخرجت كلماتها من أعماق قلبه وكأنها اعتراف حب خجول.
وأصبحت الآن جزءا من الذاكرة الفلسطينية والتراث الغنائي لها، وأعيد الآن نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي التي ساعدت إلى حد كبير بإعادة إحياء التراث الغنائي القديم تزامنا مع الظروف الراهنة حاليا في فلسطين، إضافة إلى استخدامها في الساحات العالمية، وفي التظاهرات برفقة الهتافات الداعمة للقضية الفلسطينية كنوع من التضامن الغربي.
أغاني "الترويدة"
رغم قصة جفرا العاطفية، إلا أن الأغاني الفلسطينية امتزجت بين حكايات الحب والحرب، فتمثلت أيضا بأنها سلاح آخر يواجه به الفلسطيني المحتل. مثل أغاني "الترويدة" والتي تعد شكلا من أشكال الغناء الشعبي القديم ونشأت فكرته في مطلع الثلاثينيات في القرن الماضي فترة الانتداب البريطاني الذي قطع عن أهالي المعتقلين أشكال التواصل، حينها ترجمت النساء الفلسطينيات أحزانهن وأشواقهن إلى الترويدة لتكن شيفرة التواصل الخاصة بهن وأبنائهن القابعين خلف الجدران.
وهذه هي قصة "يا طالعين عين الجبل" التي عادت إلى الواجهة الآن، وهي تحمل الخسارات وتتشابه فيها النكبات تعود كأنها تعرف أن الزمن لم يتغير كثيرا، وأن الألم ما يزال يسكن البيوت، أعيد دمجها في أنماط موسيقية معاصرة، وتشكلت من لحن حزين إلى شكل من أشكال التعبير الجماعي عن القهر.
تشاركت الأغاني التراثية المشاعر ذاتها من الحب والفرح تارة والشوق والحنين والألم تارة أخرى، فإن أغنية "شدوا بعضكم يا أهل فلسطين شدوا بعضكم" التي أخذت ترددها الحاجة الثمانينية "أم العبد" وهي ترتدي ثوبها المطرز وتجلس في بيتها الكائن في زاوية من زوايا مخيم الزرقاء في الأردن، تعود بها ذاكرتها إلى قريتها في قضاء القدس "بيت اكسا" التي هجرت منها العام 1948، تركت الحاجة أم العبد أثرا في الوجدان ولامست قلوب ملايين المتابعين وأصبحت رمزا للوحدة والصمود الفلسطيني، وأعيد إنتاجها وغنائها بصيغ مختلفة منذ إصدارها الأصلي.
"هبت النار".. من مشاهد التضحية والفداء
أما أغنية "هبت النار"، فهي واحدة من أقوى الأغاني الوطنية التي ارتبطت بذاكرة المقاومة الفلسطينية. ظهرت في بدايات الثورة، وارتبطت بمشاهد التضحية والفداء، لتصبح نشيدا ثوريا يردد عند كل مفترق نضالي.
وقصة أغنية "يا ظريف الطول" ذلك الشاب الذي عرفه أهل فلسطين ببسالته في مواجهة المحتل آنذاك، وكان يخفي هويته فأطلق عليه هذا اللقب، أضحت هذه الأغنية الآن مرآة لواقع ما يزال يتكرر، وتجسيدا لحالة وجدانية يعيشها الفلسطيني في الداخل والشتات.
التراث الفلسطيني يواجه محاولات الطمس
وتعد الأغنية التراثية جزءا أصيلا من الهوية الثقافية، ولها مقومات وخصائص على الرغم من اختلاف رواياتها بين الناس إلا أنها شيء لا يمكن العبث فيه.
بدورها تقول مصممة التراث في مركز التراثي الفلسطيني انتصار حسين حِجة: "إن التراث يعزز الشعور بالانتماء وهو الصلة القوية بالوطن، وتترابط الأجيال عندما تتناقل التقاليد التي ورثناها عن أجدادنا، والأغنية التراثية لها التأثير الأكبر الآن كونها اخترقت الحواجز الثقافية، ووصلت العالم بأسره، فقد استطاع المستمع أن يتلمس فيها نبض القضية، ويفهم معناها ويشعر بصدق حكاياتها التي تتقاطع مع قصص الحرب والتهجير والمعاناة التي يشهدها واقع اليوم. وصارت هذه الكلمات البسيطة صوتا للإنسانية لا لشعب فلسطين فقط! بل للشعوب المتضامنة أيضا".
وأضافت "يجب التمسك بهذا التراث، وعلى كل من له صلة بالفن يجب أن يبقي الذاكرة حافظة له ويسلط الضوء عليه حتى لا يتعرض للطمس".
من جانبه، يؤكد خبير التراث الأردني نايف النوايسة "أن التراث الفلسطيني يواجه تحديات كبيرة أولها محاولات الطمس والتعدي عليه، وليس أمام الفلسطيني إلا الوقوف صامدا للدفاع عن قضيته في جميع المجالات وعلى رأسها المجال الثقافي التراثي".
ويصف النوايسة، التراث بأنه جذر كل حضارة، وهو عبارة عن جذر لشجرة وإن لم نعطه عناية فائقة، فإنه يجف ويتفتت وتتحول الشجرة إلى حطبة تتقاذفها الرياح وتهوي بها إلى واد سحيق.
ويضيف، "حتى وإن كان هناك تضييق على الثقافات الوطنية يجب عدم الالتفات إلى هذا المنحنى، والبقاء صامدين بوجه كل من يحاول التعدي على التراث؛ لأنه جذر كل حضارة، ووثيقة تاريخية لفلسطين على وجه الخصوص".
لذا، فإن الأغنية التراثية، التي ولدت من رحم المعاناة، تعود اليوم أكثر حضورا، وأعمق تأثيرا، لتذكرنا بأن التراث ليس ماضيا يروى، بل مستقبلا يبنى على جذور لا تموت. وكما يقول المثل الشعبي: "اللي ما له أول، ما له تالي"، فإن من لا يعرف أغانيه ولا يستمع لصوت أجداده، يفقد طريقه في ضجيج العالم الحديث.
إنها ليست فقط أغانٍ تردد، بل رواية تحكى، وهوية تصان، وذاكرة تحمل من جيل إلى جيل، لتبقى الشعوب حية في وجدانها، ثابتة في موقفها، وصامدة في وجه كل محاولات الحذف والتغييب عن الواقع.
الأغاني التي تعكس التراث الشعبي ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل هي جزء لا يتجزأ من هوية الشعب، وترابط قوي بين الأجيال.
ولكل من هذه الأغنيات جذور راسخة، تتعدد ظروف نشأتها، ولها دور في التعبير عن وجدان وأحوال الشعب الفلسطيني، ومنها: أغنية "جفرا ويا هالربع غرب البلد راحت واربع جدايل شقر على الصدر لاحت".
كثيرون منا رددوا يوما هذه الكلمات الغنائية التراثية من دون أن نعرف قصتها، وعلقت في الذاكرة بفضل كلماتها العامية العفوية، وألحانها الساحرة، وأسلوب أدائها الذي يمزج بين الحنين والفرح الشعبي، تبرز "جفرا" كواحدة من أشهر وأعمق الأغاني التي تركت أثرا في الوجدان الفلسطيني ولاحقا العربي.
رغم أن شهرتها الواسعة جاءت مؤخرا، إلا أن بداياتها تعود إلى أوائل أربعينيات القرن الماضي، حين كتب كلماتها ولحنها الشاعر الفلسطيني أحمد عبد العزيز، وحملت الأغنية اسم "جفرا"، وهو اسم مستعار لحبيبة الشاعر واسمها الحقيقي رفيقة نايف التي وقع في حبها وعقد قرانهم، إلا أن هذه القصة لم تستمر طويلا، فانتهت بالطلاق وتزوجت نايفة برجل آخر، الأمر الذي أسف الشاعر من أجله وخرجت كلماتها من أعماق قلبه وكأنها اعتراف حب خجول.
وأصبحت الآن جزءا من الذاكرة الفلسطينية والتراث الغنائي لها، وأعيد الآن نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي التي ساعدت إلى حد كبير بإعادة إحياء التراث الغنائي القديم تزامنا مع الظروف الراهنة حاليا في فلسطين، إضافة إلى استخدامها في الساحات العالمية، وفي التظاهرات برفقة الهتافات الداعمة للقضية الفلسطينية كنوع من التضامن الغربي.
أغاني "الترويدة"
رغم قصة جفرا العاطفية، إلا أن الأغاني الفلسطينية امتزجت بين حكايات الحب والحرب، فتمثلت أيضا بأنها سلاح آخر يواجه به الفلسطيني المحتل. مثل أغاني "الترويدة" والتي تعد شكلا من أشكال الغناء الشعبي القديم ونشأت فكرته في مطلع الثلاثينيات في القرن الماضي فترة الانتداب البريطاني الذي قطع عن أهالي المعتقلين أشكال التواصل، حينها ترجمت النساء الفلسطينيات أحزانهن وأشواقهن إلى الترويدة لتكن شيفرة التواصل الخاصة بهن وأبنائهن القابعين خلف الجدران.
وهذه هي قصة "يا طالعين عين الجبل" التي عادت إلى الواجهة الآن، وهي تحمل الخسارات وتتشابه فيها النكبات تعود كأنها تعرف أن الزمن لم يتغير كثيرا، وأن الألم ما يزال يسكن البيوت، أعيد دمجها في أنماط موسيقية معاصرة، وتشكلت من لحن حزين إلى شكل من أشكال التعبير الجماعي عن القهر.
تشاركت الأغاني التراثية المشاعر ذاتها من الحب والفرح تارة والشوق والحنين والألم تارة أخرى، فإن أغنية "شدوا بعضكم يا أهل فلسطين شدوا بعضكم" التي أخذت ترددها الحاجة الثمانينية "أم العبد" وهي ترتدي ثوبها المطرز وتجلس في بيتها الكائن في زاوية من زوايا مخيم الزرقاء في الأردن، تعود بها ذاكرتها إلى قريتها في قضاء القدس "بيت اكسا" التي هجرت منها العام 1948، تركت الحاجة أم العبد أثرا في الوجدان ولامست قلوب ملايين المتابعين وأصبحت رمزا للوحدة والصمود الفلسطيني، وأعيد إنتاجها وغنائها بصيغ مختلفة منذ إصدارها الأصلي.
"هبت النار".. من مشاهد التضحية والفداء
أما أغنية "هبت النار"، فهي واحدة من أقوى الأغاني الوطنية التي ارتبطت بذاكرة المقاومة الفلسطينية. ظهرت في بدايات الثورة، وارتبطت بمشاهد التضحية والفداء، لتصبح نشيدا ثوريا يردد عند كل مفترق نضالي.
وقصة أغنية "يا ظريف الطول" ذلك الشاب الذي عرفه أهل فلسطين ببسالته في مواجهة المحتل آنذاك، وكان يخفي هويته فأطلق عليه هذا اللقب، أضحت هذه الأغنية الآن مرآة لواقع ما يزال يتكرر، وتجسيدا لحالة وجدانية يعيشها الفلسطيني في الداخل والشتات.
التراث الفلسطيني يواجه محاولات الطمس
وتعد الأغنية التراثية جزءا أصيلا من الهوية الثقافية، ولها مقومات وخصائص على الرغم من اختلاف رواياتها بين الناس إلا أنها شيء لا يمكن العبث فيه.
بدورها تقول مصممة التراث في مركز التراثي الفلسطيني انتصار حسين حِجة: "إن التراث يعزز الشعور بالانتماء وهو الصلة القوية بالوطن، وتترابط الأجيال عندما تتناقل التقاليد التي ورثناها عن أجدادنا، والأغنية التراثية لها التأثير الأكبر الآن كونها اخترقت الحواجز الثقافية، ووصلت العالم بأسره، فقد استطاع المستمع أن يتلمس فيها نبض القضية، ويفهم معناها ويشعر بصدق حكاياتها التي تتقاطع مع قصص الحرب والتهجير والمعاناة التي يشهدها واقع اليوم. وصارت هذه الكلمات البسيطة صوتا للإنسانية لا لشعب فلسطين فقط! بل للشعوب المتضامنة أيضا".
وأضافت "يجب التمسك بهذا التراث، وعلى كل من له صلة بالفن يجب أن يبقي الذاكرة حافظة له ويسلط الضوء عليه حتى لا يتعرض للطمس".
من جانبه، يؤكد خبير التراث الأردني نايف النوايسة "أن التراث الفلسطيني يواجه تحديات كبيرة أولها محاولات الطمس والتعدي عليه، وليس أمام الفلسطيني إلا الوقوف صامدا للدفاع عن قضيته في جميع المجالات وعلى رأسها المجال الثقافي التراثي".
ويصف النوايسة، التراث بأنه جذر كل حضارة، وهو عبارة عن جذر لشجرة وإن لم نعطه عناية فائقة، فإنه يجف ويتفتت وتتحول الشجرة إلى حطبة تتقاذفها الرياح وتهوي بها إلى واد سحيق.
ويضيف، "حتى وإن كان هناك تضييق على الثقافات الوطنية يجب عدم الالتفات إلى هذا المنحنى، والبقاء صامدين بوجه كل من يحاول التعدي على التراث؛ لأنه جذر كل حضارة، ووثيقة تاريخية لفلسطين على وجه الخصوص".
لذا، فإن الأغنية التراثية، التي ولدت من رحم المعاناة، تعود اليوم أكثر حضورا، وأعمق تأثيرا، لتذكرنا بأن التراث ليس ماضيا يروى، بل مستقبلا يبنى على جذور لا تموت. وكما يقول المثل الشعبي: "اللي ما له أول، ما له تالي"، فإن من لا يعرف أغانيه ولا يستمع لصوت أجداده، يفقد طريقه في ضجيج العالم الحديث.
إنها ليست فقط أغانٍ تردد، بل رواية تحكى، وهوية تصان، وذاكرة تحمل من جيل إلى جيل، لتبقى الشعوب حية في وجدانها، ثابتة في موقفها، وصامدة في وجه كل محاولات الحذف والتغييب عن الواقع.
0 تعليق