القمة الخليجية الأمريكية.. أزمات المنطقة أولوية

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تنطلق اليوم في العاصمة السعودية الرياض القمة الخليجية الأمريكية، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدد من قيادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو من يمثلهم، في ظل أجواء التوتر المتواصل الذي يخيّم على المنطقة العربية بشكل خاص، والعالم بشكل عام.

وعلى ضوء ذلك، فإن الشراكة الاقتصادية بين الجانبين لا يمكن أن تستقيم في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة وعموم فلسطين، ولا يمكن أن يستمر الانحياز الأمريكي للكيان الإسرائيلي على صعيد القضية الفلسطينية، ومن هنا، فإن أزمات المنطقة -في تصوري- وإيجاد حلول عادلة وشاملة لها، ينبغي أن تتصدر مشهد تلك القمة.

العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية متواصلة حتى قبل ظهور الرئيس الأمريكي ترامب على المسرح السياسي الأمريكي، وثمة مصالح واتفاقيات أمنية وثقافية وتعليمية واقتصادية تمتد على مدى عقود.

وعلى ضوء ذلك، فإن تفعيل تلك العلاقات ودفعها إلى مزيد من التقدم يعتمد على الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، والتي تعد حجر الزاوية في الصراع العربي الإسرائيلي المتواصل منذ عام 1948. ومن هنا، فإن القمة الخليجية الأمريكية ينبغي أن تركز على أزمات المنطقة، وأن تكون ذات أولوية واضحة.

المنطقة تعاني منذ سنوات من حروب وصراعات، خاصة بعد اندلاع الاحتجاجات والثورات العربية عام 2011، والتي خلفت كوارث حقيقية للشعوب في اليمن وسوريا وليبيا ومصر والسودان، كما أن الملف النووي الإيراني يعد من القضايا الحيوية في المنطقة، ولعل الجهد الدبلوماسي الكبير لبلادنا سلطنة عُمان، من خلال جولات المفاوضات الأمريكية الإيرانية، ينبع من إدراك عميق بخطورة هذا الملف إذا بقي دون حل، في ظل التحريض المتواصل من قبل حكومة نتنياهو المتطرفة.

كما أن نجاح الدبلوماسية العمانية في وقف الهجمات المتبادلة بين أمريكا وجماعة أنصار الله الحوثية في البحر الأحمر جنّب اليمن والمنطقة الكثير من تداعيات تلك المواجهة المسلحة، وأنهى توترًا كبيرًا وخطيرًا على صعيد الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن.

وعلى ضوء تلك المحددات السياسية، فإن على الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية أخلاقية وقانونية، باعتبارها القطب الأوحد في العالم، في إيجاد حلول سياسية لأزمات المنطقة، حيث تدفع الشعوب ثمنًا باهظًا لتلك الصراعات والحروب، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث ارتكب الكيان الإسرائيلي إبادة جماعية ضد المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن، وتدمير البنية الأساسية للقطاع، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

كما أن الأزمات في اليمن وسوريا والسودان وليبيا تحتاج إلى جهود كبيرة لجعل المنطقة تنعم بالسلام والاستقرار، وبالتالي تكون الشراكات الاقتصادية والاستثمار هي المحصلة الطبيعية لعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم العربي بشكل عام، ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشكل خاص.

إن قمة الرياض الخليجية الأمريكية لا ينبغي أن تنحصر في قضايا المال والأعمال، بل ينبغي أن تتطرق، وبعمق، إلى أزمات المنطقة باعتبار ذلك أولوية، كما أن على الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال الرئيس الأمريكي ترامب وإدارته، أن تقوم بعملية سلام حقيقية وشاملة، تنهي الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود الرابع من يونيو 1967، وإقامة سلام عادل بين كل دول المنطقة، بما فيها الكيان الإسرائيلي.

الرئيس الأمريكي ترامب تحدث، خلال حملته الانتخابية وبعد وصوله إلى البيت الأبيض، عن رغبته في إنهاء الصراعات والحروب ليفتح صفحة جديدة من العلاقات بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويبدو لي أن هذه فرصة تاريخية للرئيس الأمريكي ترامب لإنهاء أزمات المنطقة، والدخول في شرق أوسط بعيد عن الصراعات والحروب، وهذا سوف يُعد من الإنجازات السياسية الكبرى للرئيس الأمريكي.

إن مسألة الحصول على المنافع الاقتصادية والتجارية أمر موجود في إطار العلاقات بين الدول، ودول مجلس التعاون ترتبط مع الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات تاريخية ومصالح كبيرة منذ عقود. وعلى ضوء ذلك، فإن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون المنطقة مستقرة.

ولعل الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتمدد تلك الحرب إلى المواجهة مع حزب الله وجماعة أنصار الله والمقاومة الفلسطينية، علاوة على الاحتقان الذي يسود الساحة العربية والإسلامية، لا يجعل من أي مصالح اقتصادية ذات جدوى. فإيجاد السلام والاستقرار هو الذي يعطي قيمة إنسانية لمجمل العلاقات الإيجابية بين دول العالم، في ظل الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين.

إن القمة الخليجية الأمريكية هي فرصة كبيرة لتحليل الأزمات في المنطقة وإيجاد حلول واقعية لها، بعيدًا عن المشاريع المشبوهة والتركيز على قضية النفوذ والعمل الفردي. وهذا جانب مهم تُسأل عنه الدول العربية، والتي تعاني من إشكالات وخلافات لا تنتهي، في ظل قمة عربية مرتقبة في بغداد، عاصمة العراق الشقيق.

إن الرئيس الأمريكي ترامب يطمح إلى الحصول على الاستثمارات والمصالح لبلاده، ولكن من المهم أن تقترن تلك المصالح أيضًا بمصالح الجانب العربي وقضاياه، خاصة القضية الفلسطينية، التي تُعد حجر الزاوية في الصراع مع الكيان الصهيوني المحتل.

إن أزمات المنطقة تُعد أولوية، وبدون إيجاد مقاربات سياسية وحلول شاملة لها، وإنهاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني الذي يعاني الأمرّين في قطاع غزة، فإن تلك القمة سوف تكون محل نقاش وجدال كبير بين المراقبين حول نتائجها، وما تأثيرها على المصالح الحيوية للعرب وقضيتهم المركزية، في ظل تعنُّت نتنياهو وحكومته المتطرفة، وتواصل الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على مدى 18 شهرًا، في أبشع جريمة إنسانية في العصر الحديث.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق