دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- وُلد روبرتو بلترامي وترعرع في بلدة بريشيا الإيطالية التي تبُعد بضع ساعات بالسيارة عن مدينة البندقية وجزيرة مورانو، المشهورة عالميًا بإنتاج الأعمال الزجاجية الرائعة.
إلا أنّه تعرّف على فن نفخ الزجاج لأول مرة على بُعد 6،400 كيلومتر تقريبًا، في مدينة بوسطن الأمريكية في العام 2011.
كان بلترامي حينها طالبًا في سنته الثانية يدرس الفيزياء في جامعة بوسطن، حين انبهر بمعرض لأعمال الفنان الأمريكي، ديل تشيهولي الذي سعى لتطوير حرفته عبر السفر حول العالم، وشمل ذلك زيارة قصيرة إلى مورانو في ستينيات القرن الماضي.
زار بلترامي الجزيرة خلال عطلته الصيفية، حيث التحق بدورة تدريبية في نفخ الزجاج، وتحوّلت تلك الدورة إلى تدريب مهني، فامتدّ الصيف إلى عامٍ كامل.

في نهاية المطاف، تخلّى بلترامي عن الجامعة ليدرس على يد نخبة من أشهر أساتذة نفخ الزجاج في العالم.
تعتبر جزيرة مورانو رائدة في صناعة الزجاج على مستوى العالم، لكنها على مدار تاريخها الممتد لـ700 عام، واجهت الجزيرة تحديات عديدة على مستوى الصناعة انعكس تراجعًا كبيرًا بعدد المصانع، في السنوات الأخيرة.
وفي حين يقول كثيرون في هذه الصناعة إنّ الشباب غير مهتمين بالعمل اليدوي الشاق والمرهق، يمتلك بلترامي وجهة نظر مختلفة.
فنظرًا لدأبها الطويل للحفاظ على أسرارها التجارية، تُبدي ورش العمل في مورانو ترددًا في الترحيب بالوافدين الجدد، وفقًا لما قاله بلترامي، البالغ من العمر اليوم 34 عامًا.
وأوضح: "كان الجميع يخشى أن تسرق منهم وظائفهم، ولم يرغب أحد بتعليم أسرار المهنة".
وبعد إحباطه من قلة الفرص، قرّر بلترامي إطلاق مشروعه الخاص.
وفي العام 2017، أسَّس الشاب، البالغ من العمر 25 عامًا آنذاك، ورشته الخاصة، " Wave Murano Glass".
الآن، ومع فريق يضم 20 شخصًا، معظمهم في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، يقود بلترامي، الذي يُعتقد أنه أصغر "مايسترو" زجاج في مورانو، جيلًا جديدًا من الحرفيين نحو المستقبل.
ألف عام من صناعة الزجاج

يُصنع الزجاج lن طريق صهر الرمل، ورماد الصودا، والحجر الجيري عند بلوغ حرارة تصل إلى 1،600 درجة مئوية، ومن ثمّ يُوضع خليط الزجاج المنصهر على طرف أنبوب مجوف، ويُنفخ بالهواء، ثم يُشكَّل بسرعة من خلال عملية التأرجح والنفخ والدحرجة فيما لا تزال المادة ساخنة ومرنة.

بمجرد تبريده، يتخذ السائل المنصهر شكلًا صلبًا وشفافًا.
بالإضافة إلى اختراع زجاج "كريستالو" الشفاف، اشتهرت مورانو بقدرتها على إضافة ألوان زاهية على الزجاج الشفاف.
وأكّد بلترامي: "نفخ الزجاج أشبه برياضة جماعية لأنّه يتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا".
يتطلب حجم ووزن العديد من القطع الزجاجية إمساك شخص واحد على الأقل بالأنبوب، وتدوير الزجاج المنصهر، فيما يقوم شخص آخر بتشكيله، وقد يُطلب من شخص ثالث إشعال الزجاج للحفاظ على مرونته أو إضافة بعض الزخارف.
موجة تغيير

عاش أكثر من 30 ألف شخص على جزيرة مورانو، التي تبلغ مساحتها 4.6 كيلومتر مربع في ذروة ازدهارها في القرن الـ16.
أمّا الآن، فهي موطن لحوالي 4 آلاف شخص.
ووفقًا لاتحاد الترويج لزجاج مورانو، المعني بترويج وحماية الحرفة، يعمل أقل من ثلث السكان في ورش صناعة الزجاج البالغ عددها 105 على الجزيرة.

أوضح بلترامي أنّ المصانع الصغيرة تُكافح للمنافسة على الطلبات الصناعية واسعة النطاق.
عوض ذلك، تُركز مورانو على الأواني الزجاجية الفاخرة والفنية، رُغم أنّ هذا المجال مُهدد أيضًا نتيجة تدفق السلع المُقلدة.
وبحسب الاتحاد، فإنّ المنتجات المُقلدة الرخيصة شائعة في متاجر الهدايا التذكارية في البندقية.
ومن المشاكل الرئيسية التي لاحظها بلترامي في المصانع التي عمل بها سابقًا قِدم المعدات المستخدمة والعمليات غير الفعالة.

شجّعه ذلك على مجموعة متنوعة من التقنيات الحديثة في شركة "Wave Murano Glass"، ضمنًا تبسيط سير العمل الإداري باستخدام برامج مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وإدخال أفران أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
في حين أن الجزء الأكبر من إنتاج "Wave" مخصصة لصناعة منتجات يُعاد تسويقها تحت علامات تجارية لمصممين وفنانين وشركات أخرى، إلا أنّ ما يصل إلى 10% من إيرادات الشركة يأتي من الدروس والجولات، التي يأمل بلترامي في أن تساهم بنشر فن نفخ الزجاج لجمهورٍ أوسع.
0 تعليق