من الصور التي لا تفارق الذاكرة، مجموعة الكتب والدفاتر والأقلام وأدوات القرطاسية الجديدة التي يحصل عليها كل طالب بداية العام الدراسي وخلاله، تكون الكتب جديدة مرصوصة، والأقلام ذات الرسوم المختلفة، وفي رأسها ممحاة، زاهية أنيقة، ومع أول واجب منزلي، الكتب المرصوصة تبدأ بالانتفاخ بسبب كثرة التقليب في أوراقها، والأقلام الزاهية أول ما يحدث لها عملية إعدام بالمقصلة «الأسنان» تطال رأسها، لتبدأ بعد ذلك عملية تجميل - بالأسنان أيضاً – تتلخص بـ«عضعضة» الأسطوانة المعدنية لغلق الحفرة ليبدو القلم كذراع بشري مقطوع الكف، أما جسم القلم فثلاثة أرباعه الأعلى لم يبقَ فيه مليميتراً، إلا وفيه طعنة من ناب أو قاطع، وكأنه أحد مقاتلي العصور الوسطى، أما الربع القريب من موضع الكتابة فهو في الغالب بين أحضان الأصابع يسبح في عرقها. لقد ولى ذلك الزمن، فالطلبة الجدد غيروا المشهد بالكامل، فعلى سبيل المثال إذا كلف أحدهم بواجب لتقصي أسباب سقوط الأندلس، فلن يكلف نفسه حتى بقراءة الكتاب المنهجي، فهو يمتلك روبوتات ذكية مثل chatgpt وغيرها، تنتظر على أهبة الاستعداد لتلبي طلبه بضغطة زر واحدة وتقدم المطلوب «قبل أن يرتد إليه طرفه»! وبذلك دخل الطلبة مرحلة جديدة في التعامل مع التقييمات التي يخضعون لها، فالإبداع البشري يظهر هناك بفنون مختلفة، النتيجة عبر عنها تقرير نيويورك تايمز الذي بين أن العام الماضي ارتفعت حالات الغش بين الطلبة في المدارس الأمريكية؛ بسبب استخدام الذكاء الاصطناعي بنسبة 40%، وهنا يدخل التعليم في مرحلة تهديد خطير مصحوبة بفرصة واعدة، نعم.. فما يحدث يجب ألا ينظر له نظرة سلبية فقط، ومحاربته ومحاولة إيقافه تشبه من يتهيأ لدخول معركة، الطرف الآخر فيها متسلح بالأقمار الاصطناعية والأسلحة التكنولوجية، وهو لديه جيش مجهز بالسيوف والمنجنيق، ببساطة هذه المشكلة الحاصلة والمتوقع ازديادها، لخصها تقرير لليونيسكو، بأن الاعتماد غير الناقد على الذكاء الاصطناعي يعزز التفكير السطحي، ويقوّض مهارات التعلم العميق، وذلك سيحصل إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح، فالمشكلة الحقيقية تكمن في النسخ واللصق، لا سيما وأن الطلبة الآن تنمو لديهم مهارات تنظيم الكلمات المفتاحية، وكيفية طرح أسئلة على الذكاء الاصطناعي، فيحصل على المعرفة دون الفهم وبالتالي يعجز عن التحليل والنقد.
الواقع نحن في زمن يحتاج سوق العمل فيه إلى المهارة أكثر من ورقة الشهادة التي ستبقى ضرورية إلا أنها لن تكون وحدها كافية للتوظيف بدون المهارة، وعليه على من يفكر محاربة ما يصدر عن الطلبة في مختلف المؤسسات التعليمية، أن يضع سيفه في غمده، «ويتعوذ من الشيطان»، ويتعامل مع الأمر بتوجيه شغف الطلبة نحو هذه الأدوات، ويطلب هو منهم استخدامها في التعلم والتقييم، فيعلمهم إجادة توظيفها، ليحسنوا من كتاباتهم، وليعززوا الفهم العميق لديهم، وليس النسخ واللصق فقط، وأهم شيء يعلمهم إياه هو كيفية التفكير النقدي وحل المشكلات، فيقدم لهم تقييمات ترتكز على هذا الأمر بدلاً من تلك التي ترتكز على الحفظ وتقديم حشو من المعلومات، وبهذه الطريقة يمكن المشاركة في صناعة جيل قادر على تحويل أدوات الذكاء الاصطناعي من أدوات غش إلى أدوات لتوسيع المدارك وتنمية العقول.
* عميد كلية القانون - الجامعة الخليجية
0 تعليق